شات دم المسيح الحر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


شــ،،ــاتـ ومـ،ــنـ،،ـتـ،ـدى دم الـ،،ـمــســ،،ـيــح الـ،ـحـ،ـر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ملاك كنيسة سميرنا .. شخصيات الكتاب المقدس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مارينا
نائب مدير
مارينا


عدد المساهمات : 2066
نقاط : 5492
تاريخ التسجيل : 29/03/2011
العمر : 38

ملاك كنيسة سميرنا .. شخصيات الكتاب المقدس  Empty
مُساهمةموضوع: ملاك كنيسة سميرنا .. شخصيات الكتاب المقدس    ملاك كنيسة سميرنا .. شخصيات الكتاب المقدس  Icon_minitimeالخميس مايو 05, 2011 5:45 pm



ملاك كنيسة سميرنا

" كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة "

(رؤ 2 : 10)

مقدمة

لا يستطيع المرء أن يذكر كنيسة سميرنا ، دون أن يذكر أسقفها العظيم بوليكاربوس تلميذ الرسول يوحنا ، والرواية الغالبة عن استشهاده ، أنه استشهد بعد الظهر فى يوم سبت ، في عام156 م مع أن اليهود يحرمون العمل أو حمل شئ يوم السبت، إلا أنهم فى ذلك اليوم خرجوا على القاعدة ، وجدُّوا فى البحث عن الحطب والأخشاب التى جمعوها كومة كبيرة لحرق الرجل فى استاد سميرنا ، وقد قيل إنه تم حرقه مع أحد عشر آخرين من فيلادلفيا ، ولكنه كان الشهيد الأعظم فى نظر الجماهير من أصدقاء أو أعداء على حد سواء !! .. وبعد أن وُضع مربوطاً إلى عمود ، وقبل أن تُشعَل النيران ، عُرِض عليه العفو بشرط أن ينكر المسيح أو يجدف عليه ، ولكن الرجل صاح فى زئير كزئير الأسد : لقد خدمته ستة وثمانين عاماً دون أن يصنع بى شراً ، فكيف يمكن أن أجدف على ملكى ومخلصى !! واشتعلت النيران ، وطوته اللهب ، هو وغيره من الشهداء ، ليصبحوا شعلات خالدة على مدى القرون والأجيال ، لإنارة الدرب الإنسانى المظلم ، أو كما قال لا يتمر لزميله ردلى ، وهما يحرقان لشهادتهما للحق : كن بخير ياردلى فإننا سنضئ فى انجلترا كمشعل ، بنعمة اللّه لن ينطفئ أبداً !! ومن العجيب أن الكنيستين اللتين لم يوجه إليهما المسيح لوماً بين الكنائس السبع وهما كنيسة سميرنا، وكنيسة فيلادلفيا كانتا أكثر الكنائس تعرضاً للضيق والتجارب !! .. ، وإذا كان لنا أن نتأمل ملاك كنيسة سميرنا الآن ، فإننا سنلاحظ أن قصته مليئة بالمفارقات العجيبة ، والتى يصح فيها القول إنه «بضدها تعرف الأشياء»، وهى من هذه الناحية ، متميزة الطابع عن غيرها من الكنائس الأخرى على النحو التالى :



ملاك كنيسة سميرنا الفقير الغنى

وأول المفارقات الواضحة فى قصة هذا الرجل أنه فقير معدم ، وغنى بالغ الثراء ، ... وقد اجتمعت فيه الخلتان على نحو عجيب ، ولا نستطيع أن نفهم ذلك قبل أن ندرك أن سميرنا كانت واحدة من أجمل مدن أسيا الصغرى ، وتقع إلى الشمال من أفسس على بعد أربعين ميلا ، وهى ما يطلق عليها « أزمير » فى الوقت الحاضر ، وقد تعرضت المدينة لغزوات كثير من الملوك كما للزلازل المدمرة ، وما أكثر ما هدمت وأعيد بناؤها ، وهى واحدة من سبع مدن تتنازع على مولد الشاعر الإغريقى هوميروس ، ويقول عنها استرابو إنها كانت أجمل المدن ، .. ويصفها آخرون بأنها زينة أسيا الصغرى ، وكانت تتعبد « لباخوس » إله الخمر والمسكر ، إذ كانت تحيط بها السهول الخصبة المليئة بالكروم ، والتى تمد المدينة بأجمل وأعتق المشروبات المسكرة، وقد عاش فيها الغنى الفاحش والفقر المدقع جنباً إلى جنب ، ويعتقد أن الذين آمنوا بالمسيحية فيها كانوا من الطبقات الفقيرة أو المعدمة أو التى لم يكن لها حظ كبير من الغنى المادى فى العالم ، ولكن هذا الفقر رغم شدته وقسوته لم يجردهم من الغنى الحقيقى الذى ملأ نفوسهم ، ومن ثم يقول السيد لملاك سميرنا : « أنا أعرف أعمالك وضيقتك وفقرك . مع أنك غنى » ( رؤ 2 : 9 ) وهذا يطرح السؤال الهام الذى يواجه الإنسان أو ينبغى أن يواجهه فى كل جيل وعصر : ما هو الفقر أو الغنى وما حقيقتهما فى الحياة !! ؟ .. قد نستطيع الجواب على ذلك إذا ذكرنا أن سميرنا خضعت للعديد من الغزاة فى العصور المختلفة من التاريخ ، ومن بينهم الليديون ، وكان كريسوس ملك ليديا من أغنى الملوك فى العصور قاطبة ، وكانت ثروته تتجاوز خيال الإنسان ، وكان يباهى الجميع بما لديه من كنوز تخلب اللب ، وكان يظن نفسه أسعد الناس على وجه الأرض ، .. وإذ سمع عن حكيم يونانى اسمه صولون ، له القدرة العظيمة على تقييم الأشياء والأوضاع أرسل إليه يدعوه إلى بلده ، وطلب من خدمه أن يفتحوا أمامه القصور والأبهاء والذخائر والكنوز ويروه كل شئ ، ثم أحضره بعد ذلك إلى مجلسه ، وسأله : من تظن يا صولون أسعد الناس على الأرض ، متوهماً أن صولون سيردد فى الحال : أنت ولا غيرك !! .. ولكن صولون - على العكس - حدثه عن رجل عادى جداً فى أثينا ، لم يكن يملك الكثير من متاع الدنيا ولكنه على ما قال الحكيم اليونانى عاش حياة هادئة ناعمة مليئة بالراحة والاستقرار والإثمار ، وكان له أبناء رباهم تربية صالحة فخرجوا مواطنين نافعين يبذلون الجهد لأجل بلادهم وللآخرين!! .. إلى أن انتهت حياته فى هدوء وسلام دون أن يزعج أحداً أو يتعب أحداً أو تتحول حياته إلى مأساة للآخرين !! .. فقال الملك : ومن تعتقد أنه الثانى فى السعادة ؟ فأجاب: أخوان أحب كلاهما الآخر حباً شديداً ، وأحبا أمهما حباً مفرطاً ، وعملا على راحتها من كل جانب، وإذ رغبت الأم أن تذهب لتتعبد للآهلة ، أجلساها فى عربة ، وإذا لم يكن هناك جواد يجر العربة ، جراها أميالاً طويلة حتى بلغا بها المعبد ، ومن فرط الإجهاد ماتا ، فحملتهما الآلهة إلى السماء!! .. وكانت الأم شديدة الغبطة وفخورة بولديها العظيمين!! .. وإذ انساق صولون فى وصف هذه الصورة ، صاح به كريسوس : إلى هذا الحد تستخف بعظمتى ومجدى وجلالى وثروتى !! ؟ .. فنظر إليه الحكيم مشفقاً متأنياً وهو يقول : ومن قال إن الثروة تجلب السعادة . ومن قال أيضاً إنها مضمونة البقاء وتظل مع صاحبها إلى نهاية الحياة ؟!! ..م ولم تعجب الإجابة الملك فصرف الحكيم فى غضب شديد ، .. وكان للملك كريسوس ابن وحيد عزيز عليه ، وذات يوم خرج مع اتباعه للصيد فى إحدى الغابات ، وعادوا به محمولاً على الأعناق لأن أحد هؤلاء الأتباع وهو يصوب سهمه إلى خنزير برى أخطأه وأصاب ولى العهد واستقر فى قلبه وقتله ، .. وبعد سنوات قليلة هاجم كورش الفارسى المملكة واستولى على جميع الذخائر والكنوز وأمر بحرق الملك ، وعند وضعه على كومة من الأخشاب ، وقبل أن توقد النيران صرخ : صولون ، صولون !! .. وإذ سمع كورش هذه الصرخة ، طلب أن يفك وثاقه ، واستفسر منه عما يقول ، وقص على الملك قصة صولون معه !! .. وقيل إن كورش عفا عنه لئلا يحدث معه ذات الشئ!!.. وقفت سيارة فخمة فارهة أمام بيت أمريكى ، ونزلت منها سيدة غنية صديقة للأسرة ، وبعد أن أتمت زيارتها ، خرج رب البيت وزوجته ليودعاها عند الباب ، وما أن غابت السيارة عن الأنظار حتى قالت صاحبة المنزل لزوجها : سنكون يوماً أغنياء ولنا مثل هذه السيارة !! .. فقال الزوج : ماذا تقولين ياعزيزتى !! .. نحن الآن أغنياء !! .. يمكن أن تقولى : عندما يكون لنا مال سنشترى مثل هذه السيارة ، لكن الغنى لا يتوقف على المال ، إذ نحن أغنياء بحبنا وسعادتنا وشركتنا وهدوء بالنا !! .. مثل هذا الرجل يدرك الفارق بين المال والغنى ، فليسا كلاهما بالضرورة متلازمين ، فما أكثر الأغنياء الفقراء ، والفقراء الأغنياء ، .. فقد يكون للرجل أكداس من الذهب ، ولكنه أشبه بذلك الغنى الإنجليزى البخيل صاحب المزارع الواسعة ، وقد جاءه ذات يوم أحد الفلاحين وكان مستأجراً لقطعة أرض ، ليدفع ما عليه من إيجار ، وبعد أن دفعه ، قدم شلنا آخر للمؤجر على أن يسمح له مقابل ذلك بالتفرج على القصر وما به من تحف وكنوز ، وأخذ الغنى الشلن وسمح له ، وعند باب الخروج قال الفلاح لصاحب القصر : لقد تساوينا تماماً إذ أنك لا تزيد عنى كمتفرج على هذه الثروة ، .. وما أكثر الذين لا ينتفعون أو ينفعون أكثر من أن تتكدس ثرواتهم ويزيدون منها ، ويقفون منها موقف المتفرج إلى أن يواريهم التراب ، وثوب الكفن لا جيوب له كما يقولون . وليت الأمر وقف عند هذا الحد الحيادى بين الفائدة والضرر، لكنه أكثر وأشنع «لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة ، (1 تى 6: 10 ) والروايات فى ذلك بدون عدد أو حصر ، فهذا الغنى الذى كان يرفض إيداع أمواله فى البنوك ، ويضعها فى خزائن حديدية يحرسها كلب ضخم، ومات الكلب على ما تقول الرواية، واستخسر شراء كلب آخر يحل محله ، فكان ينام مكان الكلب ليتولى حراستها بنفسه، .. والآخر الذى كان حاكماً للمدينة ، ومع ثروته الطائلة ، كان لايود أن يدفع ثمن الإفطار، فأمر بأن يمر به باعة اللبن فى صف طويل ليتأكد بتذوقها من خلوها من الغش، وقد وضع فى درجه رغيفاً من الخبز ليأخذ لقمــــــة مع كل تذوق للبن !!.. أو الثالث الذى قيل إن نبضه كان يرتفع وينخفض مع ارتفاع الأسعار فى البورصة أو انخفاضها!!.. وما إلى هذه الأمثلة الصحيحة أو الموضوعة، من صور لما يفعل المال فى حياة حائزيه ومحبيه،.. ناهيك بعد ذلك عما يسببه فى العالم كله من صراع وقتال وحروب ودمار على مستوى الأفراد أو البيوت أو الجماعات أو الأمم ، .. لقد تحول عند الناس سيداً يزاحم اللّه فى كل شئ، أو كما قال السيد : «لا تقدرون أن تخدموا اللّه والمال!!...» ( مت 6 : 24) لقد قصد الناس من ورائه الراحة والغنى ، فتحول لهم فقراً وعذاباً من كل جانب !! .. وعلى العكس من هذا كله، فإن هناك الفقراء الذين ساروا فى الأرض وراء ذاك الذى لم يكن له أين يسند رأسه ، ومع ذلك كانوا يملكون الغنى الحقيقى ، وسواء كانوا يملكون الملاليم أو الملايين ، فإنهم أغنياء بغنى النفس التى عثرت على الكنز الصحيح للحياة الحاضرة والعتيدة معاً ، .. لست أعلم متى غنى داود المزمور الثالث والعشرين ، وهل غناه وهو فقير فوق بطاح بيت لحم ، أو عندما أصبح ملكاً يمتلك الكثير من الذخائر والكنوز ، لكنى أعلم أن الصبى الفقير أو الملك العظيم ، هو هو بعينه الذى قال : «الرب راعىَّ فلا يعوزنى شئ . فى مراع خضر يربضنى إلى مياه الراحة يوردنى» وهو فى الحالين غنى باللّه ، سعيد بالشركة التى تربطه به ، يعيش فى أرضه الخضراء ومياهها المروية ، لأنه يعيش فى رعاية اللّه الذى يعطيه كل شئ بغنى للتمتع ، .. كان ملاك سميرنا غنياً بهذا المعنى ، غنى الإيمان والحب والرجاء والقناعة ، والقدرة على التوزيع من بركات اللّه الروحية التى لا تحصى والتى يحتاجها غيره من الفقراء أو الأغنياء على حد سواء !!..



ملاك كنيسة سميرنا المتضايق السعيد

إن ملاك سميرنا يذكرنى بتلك الفتاة التى جاءتها سيدة تزورها فى منزلها وكانت السيدة آية من آيات الهدوء والسلام وصفاء النفس والراحة ، وقالت الفتاة لضيفتها : إنى مستعدة أن أعطى العالم كله نظير الحصول على هذا السلام الذى يملك حياتك ويسيطر على نفسك ، وأجابت الأخرى : وهذا بالضبط الثمن الذى دفعته يابنيتى !! .. لقد تحول ملاك سميرنا من معسكر الشيطان فى المدينة إلى معسكر المسيح ، وكان لابد أن يدفع الثمن ، ولكنه وقد دفعه كاملا ، وجاءه الضيق البالغ والسعادة الكاملة ، وهى المفارقة الثانية العجيبة فى القصة !! .. كان أهل سميرنا يتعبدون لباخوس إله الخمر ، وكانوا يجرعون كؤوس الخمر على أمل أن يمنحهم المسكر البهجة والسعادة،.. ولكنهم مع ذلك كانوا يعيشون الحياة المريرة التى يعيشها إنسان العالم ، وهم يشربون ويسكرون على أساس ما قالته أم لموئيل فى حكمتها القديمة : « أعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمرِّى النفس يشرب وينسى فقره ولا يذكره تعبه بعد » ( أم 31 : 6 ، 7 ) .. وما الإدمان فى كل صوره فى حياة الناس إلا هذه المحاولة المستمرة للقضاء على الهم والغم والمعاناة دون جدوى!!.. وعلى العكس من هذا هناك الجماعات التى عرفت الينبوع الخفى للسعادة الدائمة ، رغم قسوة الظروف المادية التى تحيط بهم ، .. والسيد لا يريدنا أن نقف عند مجرد الظاهرة فى حد ذاتها ، بل يكشف لنا عن السر الخفى الذى يكمن خلفها !! .. وهو يفتح عيوننا على ما يجرى فى العالم الخفى غير المنظور ، فيرى الشيطان وهو يتحرك ويعمل ، وما الناس والأحداث إلا أقنعة يعمل خلفها ويتستر وراءها ، فإذا رأيت إنساناً يجند نفسه وقواه للبطش بالآخرين ، ولا يهدأ أو يستريح قبل التنكيل بهم من دون جريمة ارتكبوها أو شر فعلوه ، ... فلا تنظر فقط إلى هؤلاء الأشرار ، بل تغور إلى الداخل تجد الشيطان يعيش فيهم ، ويطل من عيونهم ، ولا فرق فى ذلك بين أن يظهر مكتسياً ثوباً اجتماعياً أو سياسياً أو دينياً ، فهو فى حقيقته الشيطان كيفما يظهر ويبين.

كان بالمدينة عدد كبير من اليهود الأشرار المتعصبين ضد المسيحية وكانوا يجندون كل قواهم للقضاء على المسيحيين هناك ، وكانوا يجدفون على الاسم الحسن ، بالقول بأن هؤلاء هم أتباع ذاك الذى علقوه على الصليب عندما حكموا عليه بالموت فى أورشليم ، ... ولم يكن المجمع الذى يجمعهم على ما تعودوا فى فلسطين « مجمع اليهود » بل كان فى حقيقته ، وقد استولى عليه الشيطان استيلاء كلياً : « مجمع الشيطان » ... وما أكثر المجامع الدينية التى تملأ الأرض فى كل العصور ، والتى ليست فى الواقع إلا مجامع الشيطان ، فهو الذى يرأسها ، ويقرر أمورها ، ويدبر مؤامراتها ، ويقود كل ما تصنع من إفك وإثم وشر بين الناس ، ... والمسيح هنا يرينا قدرة الشيطان ، ولكنها القدرة المحدودة ، وهو يدخلنا إلى العالم الروحى غير المنظور ، فنرى الشيطان لا يعمل عملا بعيداً عن دائرة سماح اللّه وحكمته العجيبة ، وهو يظهر هنا فى قدرته : « هوذا إبليس مزمع أن يلقى بعضاً منكم فى السجن لكى تجربوا » ... ( رؤ 2 : 10 ) ونحن لا نستطيع أن نبصر هذه القدرة بعيداً عن الصورة التى ظهرت فى قصة أيوب : « وكان ذات يوم أنه جاء بنو اللّه ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان أيضاً فى وسطهم . فقال الرب للشيطان من أين جئت . فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان فى الأرض والتمشى فيها فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدى أيوب لأنه ليس مثله فى الأرض . رجل كامل ومستقيم يتقى اللّه ويحيد عن الشر . فأجاب الشيطان الرب وقال هل مجاناً يتقى أيوب اللّه . أليس أنك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ماله من كل ناحية . باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه فى الأرض . ولكن أبسط يدك الآن ومس كل ما له فإنه فى وجهك يجدف عليك ، فقال الرب للشيطان هوذا كل ماله فى يدك . وإنما إليه لا تمد يدك ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب » ( أى 1 : 6 - 12 ).. ونفس الأمر حدث يوم الصليب : « وقال الرب سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك . وأنت متى رجعت ثبت إخوتك » (لو 22 : 31 ، 32 ) .. فإذا لم يكن من الميسور معرفة الحكمة الإلهية العالية من التجارب فى وقتها ، أو حتى فيما بعد ، إلا أننا نؤمن أن سماح اللّه للشيطان بها يصدر عن حكمة عجيبة تفوق العقول ، .. وفى الوقت عينه يضع اللّه حدوداً لها لا يستطيع الشيطان أن يتجاوزها أو يتخطاها ، وهو هنا فى سميرنا سمح له أن يلقى فى السجن ببعض المؤمنين ، ولكن لمدة عشرة أيام ، ... وليس المقصود بالعشرة الأيام أنها عشرة أيام حرفية أو عشرة أسابيع أو أشهر أو سنين ، لكن المقصود بها فترة محددة قصيرة معينة من اللّه ، ولا يقدر الشيطان أن يتجاوزها بدقيقة واحدة من الزمن ، .. والأهم من هذا هو مصاحبة السيد لعبيده المتألمين خلال فترة التجربة : « لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به » ( رؤ 2 : 10) .. قيل على أحد الأساقفة الإيطاليين إنه عانى من الظلم والاضطهاد والضيق دون أن يشكو أو يتذمر وإذ سأله صديق كيف أمكنه أن يحتفظ بالهدوء والصفاء رغم هذه الظروف التى تجمعت ضده قال : إننى أستعمل نظرى جيداً فأنتصر على الصعاب إذ عندما يواجهنى الضيق أرفع نظرى إلى فوق وأعلم أن واجبى الأول هو أن أسعى ليكون مكانى هناك ، ثم أنظر إلى أسفل إلى الأرض وأعلم بأنى لن آخذ منها ورائى سوى قطعة صغيرة أثوى فيها ، وأنظر حولى فأجد الكثيرين الذين لهم ظروف أقسى ، فأعلم بأن حالى يفضل حال الكثيرين ممن لا يحصيهم العد ، وهنا أجد تعزيتى وصفائى !! ..

ومما لا شبهة فيه على أية حال هو أن الآلام كثيراً ما تتمخض عن فوائد لا تعد ولا تحصى فى حياة الناس ، فهى مصنع الأبطال والعظماء ، وكثيرون من أعاظم رجال التاريخ كانوا يئنون تحت آلام قاسية ، ولكن هذه الآلام لم تضعف من عزيمتهم أو توهن من إرادتهم، فالتاريخ يذكر أن يوليوس قيصر والاسكندر الأكبر وسقراط وموليير وريشيليو وديستوفسكى ونابليون كانوا مصابين بالصرع ، كما أن الامبراطورة كاترين قد أصيبت بتشويه استمر معها ستة وعشرين عاماً ، ولا ننسى أن هوميروس وملتون كانا أعميين، ولكن هؤلاء جميعاً سجل التاريخ أسماءهم بحروف بارزة رغم آلامهم الجسدية، وقد لا يعلم الكثيرون أن جراهام بل مخترع التليفون كان مدرساً فى مدرسة الصم، وهناك وجد فتاة ثقيلة السمع ، وأحبها ، وأراد أن يتغلب على صعوبة سمعها فاخترع التليفون!! ..

على أن السعادة البالغة لملاك كنيسة سميرنا المتضايق تأتى أساساً من القضية التى يتألم من أجلها ، وهو لا يمكن إلا أن يكون سعيداً ، متى كانت القضية قضية السيد الذى يستعذب من أجله الألم فى الأرض !! .. ألم يحدث هذا مع الرسل يوم قيل عنهم : « وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه » ( أع 5 : 41 ) .. لقد خرجت المسيحية من قلب الضيق وفى أعماقه بالترنم والأغنية التى أذهلت العالم فى كل العصور !! ..



ملاك كنيسة سميرنا الميت الحى

وملاك كنيسة سميرنا يقف على العكس تماماً من ملاك كنيسة ساردس الذى قال له السيد : « إن لك اسماً أنك حى وأنت ميت » ( رؤ 3:1 ) .. وهنا نرى العكس تماماً ، هنا الميت الحى ، وإذا كان المنتصر فى كنيسة أفسس له طعام الحياة ، فإن المنتصر فى سميرنا له اكليل الحياة ، أو التاج الذى يضعه السيد على مفرقه ، ولا ينزع منه إلى الأبد !! .. كانت مدينة سميرنا تعيش على أسطورة كاذبة إذ كانت تعبد صنماً اسمه ديونسيس ، وقد قيل إنه مات ، ولكنه قام للحياة مرة أخرى ، كما أن المدينة نفسها وهى تتعرض للدمار أكثر من مرة سواء بفعل الغزاة ، أو بفعل الزلازل ، كان يقال عنها بأنها المدينة التى ماتت وقامت مرة أخرى ، وكانوا يضعون فى المبانى وعلى أعلى الأجزاء فيها رسم تاج يقال إنه تاج سميرنا ، .. وقد تحرر المؤمنون من هذه الخرافات ، ليتجهوا صوب الحق الذى تحدث إلى ملاك هذه الكنيسة وهو يصف نفسه : « الأول والآخر الذى كان ميتاً فعاش » ... وهو لا يقصد بذلك أن يبدد الخرافات التى سادت عند سكان المدينة فحسب ، بل بالأحرى لكى يؤكد أن الاضطهاد الذى ينتهى إلى الموت ، لا يضع ختاماً للحياة ، بل يتحول فى اشراق أعظم إلى مجد الخلود !! .. وهنا نأتى إلى المفارقة الثالثة العظيمة عند هذا الملاك ، وهى مفارقة الميت الحى وهذا يظهر فى وضوحه الكامل فى قصة بوليكاربوس الذى استشهد من أجل سيده ، .. وقد قيل إنه إلى جانب الصرخة التى سجلناها فى مطلع الحديث عن ملاك كنيسة سميرنا ، رفع صلاته إلى السيد قائلاً: «يا أبا ابنك المحبوب يسوع المسيح أباركك لأنك حسبتنى أهلا لهذا اليوم وهذه الساعة وأشكرك لأجل الرجاء اليقينى والحياة الأبدية فى السماء . أحمدك أيها الآب لأجل الفوائد الكامنة فى خلاص النفوس الذى أعطيتنا إياه، وأمجد اسمك فى شفاعة رئيس الكهنة الأبدى يسوع المسيح الذى به وفى الروح القدس لك المجد من الآن وإلى الأبد آمين !! ..

إن هذا الملاك القديم فى استشهاده وصلاته ، أعطانا تجسيداً حياً للقول : « كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة، من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس . من يغلب فلا يؤذيه الموت الثانى » ( رؤ 2 : 10 و 11).... لقد وقف على طريق الحياة ، وسار أميناً ، فأخذ إكليل الحياة وتجنبه الموت الثانى!! .. ولعله من اللازم أن نقف هنا قليلا أمام تعبير الأمانة ومدلولها وتكاليفها، وممارستها ومجدها،.. والأمانة تعنى الدقة البالغة فى التصرف وهى تتبع أساساً عن خلال وصفات يلزم أن تتمكن من الأمين حتى يتممها على الوجه الأكمل، ولعل أولها الحب، والحب الكبير، فالأمين هو الذى يرى نفسه تجاه واجب مقدس يفرض الحرص عليه بكل مقوماته الجسدية والنفسية والروحية ، وإذا كانت رصفة سرية شاول وقد ولدت له ولدين مع خمسة من أبناء ميرب ابنة شاول وقد التزم داود أن يقدمهم تكفيراً عن العهد المكسور تجاه الجبعونيين وصلب السبعة ، وجاءت رصفة أمام جثة ولديها تسهر ليلا ونهاراً دون تخاذل أو نوم حتى لا تترك ولديها فريسة للوحوش أو الطيور !! ..

ومن الواضح أن الأمانة ليست شيئاً هيناً ، بل تتطلب الشجاعة الفائقة ، .. عندما وقف لوثر أمام أعدائه فى مجمع ورمس ، لم يكن أحد إلى جواره ، وعندما طلب إليه أن يجيب جلجل صوته بالقول : ليس من السلامة أو الحرص أن تفعل شيئاً ضد الضمير .. ها أنذا أقف فساعدنى يا إلهى فإننى لا أستطيع أن أفعل غير ذلك. كان احتمال الحياة أمامه ضعيفاً جداً ، ومع ذلك وقف الرجل العظيم كأسد يزأر فى الغابة مستنداً إلى رحمة اللّه . إن الأمانة تمنح صاحبها قدرة على المغامرة، وقبول التحدى ، ونبذ الشئ غير المرضى ، والتضحية فى سبيل الهدف مهما كلف ذلك.. قال تشرشل لا نستسلم أبداً أبداً فى أى شئ صغر أم كبر ، عظيماً كان أم تافها ، لا نستسلم أبداً إلا لما هو شريف ونبيل .. وفى سنة 1858 كان إبراهام لنكولن يقدم نفسه للانتخابات فى مجلس الشيوخ الأمريكى وقد حذره أصدقاؤه من إلقاء خطاب معين ورد إبراهام بالقول: «إذا كان مقدراً لى بسبب هذا الخطاب أن أُهزم ، فدعونى أواجه الهزيمة مرتبطاً بالشرف والصدق ، وهُزم فعلا، .. ولكنه أصبح بعد ذلك رئيساً للجمهورية !! ..

فى الحقيقة إن أرهب موت هو الموت الثانى الذى تنفصل فيه النفس إلى الأبد عن حضرة اللّه، أما موت الجسد الذى ماته بوليكاربوس ، فانه انتقال إلى ما هو أفضل ، .. وعظ الواعظ المشهور بيتر مارشال عظة أفضل أن نختم بها حديثنــــــــا وكانت بعنوان : « انزل أيها الموت » فروى قصة الولد الصغير الذى كان مريضاً مرضاً غير قابل للشفاء ، وقد خدمته أمه خدمة مستمرة يوماً بعد يوم ، وأسبوعاً بعد أسبوع ، على أن الولد أدرك أخيراً أنه لن يعيش ، ففى أحد الأيام سأل أمه بكل هدوء : أماه ما معنى أن نموت ، وماذا يشبه الموت ، وهل فيه ألم ، وملأت الدموع عينى الأم وركضت نحو المطبخ وهناك اتكأت على الجدار ، ورفعت صلاة حارة : « يارب أعطنى الجواب على السؤال » .. وعادت إلى غرفة الابن وقالت : هل تذكر يابنى عندما كنت ولداً صغيراً ، كنت أحياناً تجهد من كثرة اللعب وتعود إلى البيت فى غاية التعب ، فلا تستطيع أن تخلع ثيابك ، بل تنطرح فى فراش أمك وتستغرق فى النوم ، لم يكن الفراش فراشك ولكنك كنت فى الصباح تستيقظ فتجد نفسك فى غرفتك وفى فراشك إذ جاء أبوك وبيديه القويتين نقلك !! .. هكذا يشبه الموت . إننا نستيقظ فى الصباح فنجد أنفسنا فى غرفتنا الخاصة إذ نقلنا يسوع لأنه يحبنا، .. وبعد أسابيع نام الولد كما قالت أمه ، .. ويقول مارشال : إننا يمكن أن نضيف شيئاً آخر: عندما استيقظ الغلام فى الصباح كان الألم والضعف الذى تسبب من المرض قد فارقاه إلى الأبد. وأشياء أخرى ستفارقنا فى ذلك الصباح ، موكب المخاوف الذى لا ينتهى ، المخاوف التى عذبتنا ليلاً ونهاراً ، مرارة الفشل والهزائم ودموع الأحزان ... حتى يشرق علينا الضياء الأبدى، من شمس البر العظيم وتحيا الحياة المجيدة التى تتوج بإكليل الحياة الخالد أمام اللّه !! ..

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملاك كنيسة سميرنا .. شخصيات الكتاب المقدس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ملاك كنيسة لاودكية ... شخصيات الكتاب المقدس
» ملاك كنيسة برغامس .. شخصيات الكتاب المقدس
» ملاك كنيسة فيلادلفيا ... شخصيات الكتاب المقدس
» ملاك كنيسة ساردس .. شخصيات الكتاب المقدس
» ملاك كنيسة ثياتيرا .. شخصيات الكتاب المقدس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شات دم المسيح الحر :: شخصيات من الكتاب القدس-
انتقل الى: