عدد المساهمات : 2066 نقاط : 5492 تاريخ التسجيل : 29/03/2011 العمر : 38
موضوع: ملاك كنيسة فيلادلفيا ... شخصيات الكتاب المقدس الأحد مايو 01, 2011 8:05 pm
ملاك كنيسة فيلادلفيا "هاأنذا قد جعلت أمامك باباً مفتوحاً ولا يستطيع أحد أن يغلقه" (رؤ 3 :
مقدمة كان على الولد الصغير أن يسير مسافات طويلة كل صباح بين بيته والمدرسة البعيدة، وقد تعود أن يسير معه أبوه ثم يعود به فى وقت العودة ، وكان يقطع فى الطريق غابة كبيرة تفصل بين البيت والمدرسة ، ... وذات يوم قال له أبوه إن عليه أن يعبر الغابة وحده ، فهو الآن أكبر من أن يسير معتمداً على غيره ، ويلزم أن يواجه الحياة بشجاعة أوفى وأكمل ، وكان الاختبار مريراً ، وسار الولد بين الأشجار العالية التى تحجب الشمس والنور ،وهو يرتعد خوفاً ، على أنه فى قلب الغابة كاد شعر رأسه يقف ، لأن دباً ظهر فى الطريق ، وكيف له وحده أن يواجه الدب المفترس ، وما هى إلا ثوان حتى رأى الرصاص ينهمر على الدب ويقتله ، وتعجب ، ولكن لم يطل عجبه إذاً رأى أباه إلى جواره فى الحال ، .. لقد كان أبوه يسير معه فى الطريق متخفياً ، والولد لا يعلم ، وكان يريد له أن يتعلم ، وقد وقف على أعتاب الشباب ، كيف يواجه الحياة بالرجولة المبكرة ، .. قد تكون هذه القصة واقعية أو موضوعة ، لكنها على أية حال تمثل قصة حياة المؤمن فى علاقته باللّه ، فالمؤمن لا يسير وحيداً فى أدغال الحياة وفى مواجهة وحوشها الضارية ، .. وما الواحد منا إلا طفلا تائهاً فى الظلام ، لولا نعمة اللّه ورحمته التى تصون حياتنا وتجتاز بنا العالم الحاضر الشرير !! ... ومن العجيب أنه لم يكن بين ملائكة الكنائس السبع من هو أضعف من ملاك كنيسة فيلادلفيا فى إمكانياته أمام الظروف المحيطة ، لكنه مع ذلك كان أعظم الملائكة وأقواهم جميعاً وأكثرهم نجاحاً فى التغلب عليها ، وفى الحقيقة إن هذا الملاك النموذجى ، تصلح سيرته أن تكون عظة وعبرة لكل المؤمنين فى موكب الحياة المتعب المضنى الطويل فى قصتنا الأرضية ولذا يحسن أن نراه فيما يلى : ملاك كنيسة فيلادلفيا والقوة اليسيرة كان ملاك فيلادلفيا على النقيض تماماً من ملاك كنيسة ساردس فى كل شئ بحيث أنك تستطيع ، وأنت فى مأمن من الزلل ، أن تصفه بالنقيض فى كل الأمور ، وقد أجمل السيد وصف الرجل : « لأن لك قوة يسيرة » وأغلب الظن أن الرجل كان فقيراً إلى حد بعيد ، ليس له فضة أو ذهب كبطرس الصياد سواء بسواء ، وكل ما يملك من هذا القبيل ، هو خبزات الشعير التى كان يملكها الصبى الذى سلم خبزاته للسيد ، وهو صورة دائمة للكنيسة فى وضعها تجاه ثروات العالم كله ، ... ولعله يذكرنا بمدينة فيلادلفيا الأمريكية العظيمة ، والتى أخذت أسمها من اسم فيلادلفيا القديمة .. وقد حدث أن طفلة صغيرة ذهبت إلى مدرسة أحد صغيرة ، وطلبت أن يقبلوها تلميذة فى فصل من الفصول ، وكانت الكنيسة صغيرة جداً ، والفصول مكتظة ، بحيث ظهرت صعوبة فى قبولها وترددوا أولاً فى إعطائها المكان المناسب ، ... وتألمت الصبية لأنها لا تجد مقعداً تجلس عليه ، .. ومع أنها كانت فقيرة جداً إلا أنها ابتدأت تقتصد بنساتها لتقدمها لبناء كنيسة أكبر لكى يتمكن الأطفال الفقراء من الحصول على أمكنة لهم فى مدرسة الأحد ، بدأت الطفلة تقتصد دون أن تخبر أحداً ، ولم يدر أحد بما كانت تعمله حتى دعى راعى الكنيسة لزيارتها وهى على فراش الموت ، كانت مريضة جداً جداً ، وبعد قليل أخذها اللّه إليه فلما ماتت وجدوا تحت وسادتها كيساً صغيراً أحمر للنقود وبه سبعة وخمسون بنساً ، وورقة مكتوب فيها أنها اقتصدت هذا المبلغ لتساعد فى بناء كنيسة أكبر وأن أمنية قلبها أن تساعد فى بناء الكنيسة التى يمكن لكن الفقراء أن يجدوا لهم مكاناً فيها . وقام القسيس بخدمة الجنازة وفى أثناء كلامه رفع كيس نقود الطفلة ، وذكر القصة ، وذكرت الصحف الأمر ، وتناقل الناس الرواية ، وانسكبت دموع كثيرة ، وانهالت التبرعات حتى وصلت إلى مائتين وخمسين ألفاً من الجنيهات ، والذين يذهبون اليوم إلى فيلادلفيا يرون صورة طفلة صغيرة معلقة فى صالة كلية تميل حيث يوجد آلاف الطلبة ، فى الكلية الملحقة ببناء كنيسة تميل المعمدانية التى تتسع لثمانية آلاف شخص ، كما ألحق بالكنيسة مستشفى للأطفال يسمى مستشفى السامرى الصالح ، وغرف مدارس الأحد تستوعب جميع الراغبين فى الحضور ... والبنت اسمها هاى ماى ويات !! .. كان ملاك كنيسة فيلادلفيا لا يملك أكثر من هذه البنسات القليلة فى عالم المال ، إذ كانت قوته المادية يسيرة ، ومع ذلك كان الإنسان الذى باركه اللّه رغم فقره العميق !! .. وكان ملاك كنيسة فيلادلفيا محدود الحظ من ناحية المركز الاجتماعى والنفوذ بين الناس ، وربما كان اسمه مجهولا عند الكثيرين من سكان المدينة، ومع ذلك فلربما لم يوجد إنسان فى فيلادلفيا أثر فيها وفى تاريخها كما فعل هو... من بين رؤساء الولايات المتحدة ، كان هناك رئيس اسمه جيمس جارفيلد ، .. كان يقيم قريباً من كليفلاند ، وعندما انتخب رئيساً للولايات المتحدة ، كتب إلى أمه العجوز يدعوها للذهاب معه إلى واشنطن ، ومع أن الأم كانت ولا شك فخورة بابنها إلا أنها كانت حائرة إذ أحست أنها ستكون غريبة فى وسط رجال الدولة العظام ، وحاولت أن تعتذر ولكنه أصر على ذهابها،.. وعندما ذهبت إلى الكابيتول حيث جاء عشرات الألوف من الناس ، فلم يجدوه جالساً على كرسيه، بل ترك الكرسى لها وجلس إلى جوارها ، وبعد أن ألقى خطاب الرياسة عاد ليجلس، وقبل أن يجلس طوق أمه يذراعه، وقبَّل وجهها ، فقوبل بعاصفة من الهتاف للعمل العظيم والتقدير النبيل الذى خلعه على أمه،... ولم يكن جهد الملاك ملحوظاً من الناس ، وهو لا يمكن أن يقارن فى أذهانهم وأنظارهم بالجهود التى تبذل فى الأعمال البشرية ، ... وكانت قوته يسيرة من هذه الناحية ، إذ لا تحف بها الدعاية المنظمة أو الإعلان المنظور أو ما أشبه مما يفخم الجهود البشرية ، رغم أنها قد لا تساوى شيئاً إلى جانب الخدمة الصحيحة المثمرة ، وماذا يمكن لواعظ فى الطريق أو فى قاعة صغيرة أن يفعل من تأثير فى حياة القوم ، وهم لا يعلمون ، أن تاريخ المدينة وتغيير مسارها وتطور أسلوب الحياة فيها ، مرهونة جميعها بما يفعل هذا الواعظ الشعبى المجهول من الغالبية فيهم !! .. إنه يذكرنا بالحقيقة العجيبة من أن الذى غير التاريخ البشرى ، لم يكن المال أو القوة العسكرية أو ما أشبه بل بالكرازة بيسوع المسيح ، ولعل الشاعر الغربى قد أحسن التصوير وهو يقول : عندما كان يسوع طفلا أنشأ حديقة غرس فيها العديد من الورود الجميلة وكان يسقيها ثلاث مرات فى اليوم ليصنع منها كما انتوى إكليلا من الزهور فلما أزهرت الورود دعا الطفل القدوس أصدقاءه الصغار ليقاسموه الزهور ولكنهم مزقوها شر ممزق ولم يتركوا إلا الجذور فأصبحت الحديقة عريانة وخالية وعندما قالوا له من أين تصنع إكليلك وقد ماتت كل الورود أجاب بابتسام لقد نسيتم الأشواك فهى من نصيبى فصنعوا له إكليلا من الشوك غرسوه فى رأسه فصار إكليلا لجبينه وبدل الورود الحمراء تساقطت نقط من دم كان ملاك كنيسة فيلادلفيا ، وهو يحمل صليبه وراء سيده يبذل عصارة جهده اليسير مع عرقه ودمه خدمة للجميع !! .. فإذا تصورناه أخيراً محدود المعرفة لا يحمل الشهادات العلمية ، أو كان حظه منها محدوداً فلنا أن نعلم أن اسبرجن أمير الوعاظ لم يكن حظه من الشهادات العلمية كحظ الكثيرين الذين تفرقوا فى الجامعات وأحرزوا الشهادات العلمية العالية ، ولكنهم كانوا دونه فى التأثير ، وكان مودى أقل حظاً ، وقد قيل إن أحدهم جاءه عقب عظة من عظاته مسجلاً له إحدى عشرة غلطة لغوية وقعت منه فى أثناء العظة ، ولكن مودى قال له : إنه يعترف بأن حظه العلمى كان محدوداً ، ولكنه مع ذلك يسلم وزناته المحدودة لسيده بكل أمانة ويطلب منه أن يتمجد فى ضعفه،... لأنه إن كان اللّه قد سر أن يستخدم الأوانى البشرية فإنه لم يعتمد قط على حكمة الحكماء ، أو قدرة الفلاسفة : « لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء . أين الحكيم . أين الكاتب . أين مباحث هذا الدهر . ألم يجهل اللّه حكمة هذا العالم . لأنه إذ كان العالم فى حكمة اللّه ، لم يعرف اللّه بالحكمة ، استحسن اللّه أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة ( 1 كو 1 : 19 - 21 ) .. كانت فى اليابان بقعة مشهورة بكثرة الانتحارات ، فعلقت سيده يابانية مسيحية عند المكان هذه العبارة البسيطة : « انتظر لحظة . اللّه محبة . إن كان يجب أن تموت فأرجو أن تأتى وترانى غداً » .. وقيل إن مئات من النفوس نجت من الموت انتحاراً بسبب تلك العبارة ، لأنهم عندما كانوا يذهبون إلى السيدة كانت تتحدث إليهم بكل بساطة عن القصة القديمة الجديدة ، قصة الفادى . وهناك عرفوا كيف يواجهون أقسى ظروف الحياة !! .. ملاك كنيسة فيلادلفيا والباب المفتوح لعل ملاك كنيسة فيلادلفيا ، وهو يحس بقوته اليسيرة المحدودة فى الظروف والأوضاع المحيطة به ، استولى عليه ما يشبه الضيق أو اليأس ، إذ كيف يشق سبيله ، والطريق مسدود أمامه من شتى الجوانب ، على أن السيد أكد له أن أمامه باباً مفتوحاً قد جعله له ، ولا يستطيع أحد أن يغلقه ، .. وكان الباب المفتوح أمامه هو : باب التبشير كانت هناك على الأغلب ثلاث عقبات رئيسية تنهض فى مواجهة الرسالة المسيحية ، وكانت العقبة الأولى أن فيلادلفيا تعبد باخوس إله الخمر ، وكانت مدينة مليئة بالعربدة والفجور ، وليس من السهل تصور أن يقبل الناس فيها على رسالة الخلاص ، ... ولكن اللّه أكد لخادمه أن نعمته العجيبة تفعل كل شئ مع السكير والزانى والأحمق والفاجر . جاء فى مذكرات أحد الوعاظ ، قوله : « حدث هذا الحادث فى رحلة من رحلاتى ، فقد دعانى صديقى بلى برايس الذى كان يحب الوعظ عن الروح القدس وعمله إلى أن أقوم بالخدمة فى الاجتماع الذى يرعاه ، وكانت الآية التى أعطيت لى لأتكلم عنها : « لتعرف صحة الكلام الذى علمت به » ( لو 1 : 4 ) ... وقبل الخدمة رفعت صلوات حارة لأجل انسكاب الروح القدس الذى ظهر فى ذلك الاجتماع بكيفية عجيبة ، ولقد قدمت الرسالة بقوة ليست منى ، ومبارك اللّه لأجل الذين عزموا أن يسلموا حياتهم للرب فى تلك الليلة ، ومن بينهم رجل سكير دخل إلى الاجتماع وهو يتفوه بألفاظ سمجة شريرة ، وكان تحت تأثير الخمر ، ولكن الروح القدس بكت الرجل على خطيته ، فانتظر فى نهاية الاجتماع ، فى حلقة الصلاة ، وكان يبكى كطفل صغير عندما كلمته عن خلاص نفسه ، وقال لى : إننى مريض بمرض السُــكر ولو عرفت حقيقة أمرى لما تكلمت معى ، فأجبته : لا يوجد حالة صعبة على الرب ، إنه يستطيع أن يخلص أشر الخطاة ، ويعد ذلك بدقائق قليلة مسح الرجل دموعه من على خديه وقال بفرح : لقد نلت الخلاص . وقد رأيته فى الاجتماعات التالية ، ولم أستطع معرفته فى البداءة فقد تغير مظهره بشكل عجيب ! مبارك الرب إلى الأبد الذى يفعل هكذا !! .. سمع أحد الشبان الواعظ يعظ عن نعمة المسيح المخلصة ، ويقول إن هذه النعمة تتحدى جميع الخطايا وتنتصر عليها ، فتهلل وجهه ، وعندما انتهى الاجتماع ذهب إلى الواعظ وهو يقول متهللا : لقد دخلت الليلة ، ... وقال له الواعظ ولم لم تدخل من قبل .. أجاب : كنت يائساً من خطاياى ، ولكنى أدركت الآن أنه لا يأس مع المسيح . وكانت العقبة الثانية أمام ملاك كنيـــسة فيلادلفيا ظلام الوثنية الذى كان يملأ المكان ، وكيف يمكن أن تشق المسيحية طريقها فى هذا الظلام ، وهو لا يملك إلا القوة اليسيرة التى يتصور أنها لا تستطيع أن تحطم الأوثان ، وتهدم معابدها ، وتقلب كل شئ رأساً على عقب ، .. ولكن المسيح يؤكد له أن الباب مفتوح ، وأن أحداً لا يستطيع أن يغلقه ، .. نحن نرى اليوم المسيحية ، وقد دان لها الملوك والعظماء والسادة بين الشعوب ، ولكن الأمر لم يكن هكذا فى مطلعها ، وكان ملاك كنيسة فيلادلفيا فى حاجة إلى شجاعة هذا التصور ، ومع ذلك أعطاه السيد اليقين العجيب بها ، .. كان الباب موصداً أمام بولس ليدخل إلى بيت قيصر ، وكان يعتبر هذا من الوجهة البشرية ضرباً من المستحيل،.. ولكن السيد كشف أنه لا مستحيل أمام إحسانه ونعمته ، واستغل سجن بولس نفسه، فإذا لم يستطع أن ينتقل هو إلى بيت قيصر ، فينتقل بيت قيصر نفسه إليه ، عن طريق الجنود والحراس الذين كانوا يتناوبون حراسته ، وبشرهم بولس ، وعن طريقهم دخل الإنجيل إلى بيت قيصر ، فكتب : « يسلم عليكم جميع القديسين ولا سيما الذين فى بيت قيصر » ( فى 4 : 22 ) وقال لتلميذه تيموثاوس : « اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسي إنجيلى الذى فيه أحتمل المشقات حتى القيود كمذنب ولكن كلمة اللّه لا تقيد » ( 2 تى 2 : 8 : 9 ) .. رأى وليم كارى الباب المفتوح إلى الهند رغم أنها كانت غارقة فى الظلام ، ورآه هدسن تايلور مفتوحاً إلى الصين رغم الوثنية المخيفة هناك ، وأبصر وليم تندال إنجلترا تحرق الإنجيل الذى ترجمه ففزع ولا شك ، ولكن المسيح همس فى أذنه ألا يفزع إذ جعل أمامه الباب المفتوح ، وبالمال الذى بيعت به نسخ الإنجيل أمكنه أن يترجم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لنشره وتقديمه للناس !!.. أما العقبة الثالثة فقد كانت التعصب الذميم الذى أظهرته الجماعات اليهودية بالمدينة ومجمعهم الذى صمم على مهاجمة المسيحية والقضاء عليها، وكان عداؤه لها مخيفاً ، وقد انتشر اليهود بعد خراب أورشليم فى أسيا الصغرى، وكونوا مجامع رهيبة استخدمها الشيطان أيما استخدام ، ولكن نعمة اللّه عملت فى الكثيرين منهم فتحولوا إلى الإيمان وانتصرت المسيحية فى حياتهم: «هانذا أجعل الذين من مجمع الشيطان ، من القائلين إنهم يهود وليسوا يهوداً بل يكذبون ، ها أنذا أصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك ويعرفون أنى أنا أحببتك» ( رؤ 3 : 9 ) !! .. باب الشركة ومهما كان حرمان ملاك كنيسة فيلادلفيا من أشياء كثيرة ، ومهما تضغط عليه الظروف ، فإنه لا يمكن أن يحرم من الشركة التى تربطه بسيده ، ومهما أغلق العالم أبوابه فى وجهه ، فإن هناك باباً مفتوحاً لا يستطيع أحد أن يغلقه .. خسر تاجر ثروته فحزن حزناً شديداً وكان الرجل مؤمناً وعائلته كذلك ، فاجتمع أفرادها من حوله يواسونه ويشددونه .. وقالت الزوجة : كيف تقول إنك خسرت كل شئ؟ أنسيتنا؟ والدتك وأنا !!؟ وقاطعتها طفلتها الصغيرة الجميلة وهى تقول : وأنا !!! واستطردت الزوجة : وصحتك إنها ثروة كبيرة .. وهنا قالت والدته : ويسوع يا ابنى !! .. عندئذ رفع الرجل رأسه منتصراً وقال : نعم يسوع !!! قد بقى لنا يسوع ، ولنا فيه ، ومعه كل شئ !! .. أجل !! لقد كانت الشركة بين المسيح وملاك كنيسة فيلادلفيا تغطى كل المتاعب والآلام والأوجاع والأوصاب ، .. وإذا سألت عن سر الشجاعة والصبر وقوة الاحتمال لذلك الملاك لعلمت أنها لم تكن أساساً فيه ، فهو إنسان مجرب تحت الآلام مثلنا ، ولكنها القوة التى نالها من السيد ، .. لقد وثق به ، وآمن بكلمته ، وعاشت معه هذه الكلمة تغذيه بالصبر العجيب على الأحداث والملمات ، وهو يسمع هنا : « لأنك حفظت كلمة صبرى » ( رؤ 3 : 10 ) .. والمفهوم من التعبير أن المقصود به ، إنجيل المسيح المملوء بالحيوية والقوة والنشاط والصبر ، .. وهو الملئ بالوعود التى تعطى للصابرين : « بصبركم اقتنوا أنفسكم » ( لو 21 : 19 ) وهو الراية المرفوعة فوق هامات الجنود فى المعركة : « فاشترك أنت فى احتمال المشقات كجندى صالح ليسوع المسيح » ( 2 تى 2 : 3 ) .. كان ملاك كنيسة فيلادلفيا يعلم ، من اليوم الأول ، أن رحلته مع المسيح ليست نزهة فى بستان ، بل معركة فى حرب ضروس ... وأن السهام ستتطاير من حوله فى كل لحظة وتنهمر عليه من الأعداء أنهار المطر ، ولكنه محفوظ بقوة سيده ، .. ومهما يجرى فى العالم من تجارب أو متاعب أو آلام : « أنا أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض » ( رؤ 3 : 10 ) . والتعبير عظيم وشامل يغطى الحياة بكاملها فى الحاضر والمستقبل ، للفرد أو الكنيسة ، وهو صورة دائمة لما يفعله المسيح ، عندما يغطى نفوسنا ورؤوسنا تحت جناحيه فى معارك الحياة المحتدمة القاسية !!!.. باب النصر على أن الأمر ليس مجرد الشركة التى يتجه إليها المؤمن فى الملمات والضيق ، بل النصر الذى يحول الأعداء القساة إلى الساجدين عند الرجلين !! .. وهو نصر حاسم وقوى وعجيب ، هو النصر الذى وجده يوسف السجين بدون أمل أو رجاء أو قوة ، ليتحول إلى سيادة وجلال ومجد ونصر ، فى الباب المفتوح إلى المركز الثانى فى مصر ، وهو الباب الذى رآه موسى عند شق البحر الأحمر فهتف بأغنيته العظيمة: «الفرس وراكبه طرحهما فى البحر..» (خر 15 : 1).. وهو الباب الذى وجده داود وآسا ويهوشافاط وحزقيا فى شتى المعارك التى خاضوها وانتصروا فيها رغم القوى العاتية التى كانت تقف فى وجوههم ، وهو الباب الحديدى المفتوح أمام بطرس عندما أراد هيرودس قتله !! .. وهو باب المؤمن فى أدق الأوقات وأقساها وأبشعها : «لولا الرب الذى كان لنا ليقل إسرائيل ، لولا الرب الذى كان لنا عندما قام الناس علينا إذاً لابتلعونا أحياء عند احتماء غضبهم علينا . إذاً لجرفتنا المياه ، لعبر السيل على أنفسنا . إذا لعبرت على أنفسنا المياه الطامية. مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة لأسنانهم . انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا . عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض » ( مز 124 : 1 - 7)!!.. وقد يغلق الناس جميع أبواب الأرض ، ولكنهم لا يستطيعون أن يغلقوا باب المجد الذى يمسك المسيح بمفتاحه !! .. وأى مجد هذا ، لقد تعودنا مرات كثيرة أن نصفه بالتحرر من السلبيات المفزعة التى يعيشها الإنسان فى الأرض ، دون أن ندرك جلال الإيجابيات التى تتجاوز كل خيال وفكر بشرى !! ... كان بطرس ماكنيزى واعظاً شعبياً ، يمتلئ بالمرح ، والتقوى معاً ، وقد أراد أن يعظ يوماً ما عن السماء متخذاً موضوعاً لعظته : « وهم يترنمون ترنيمة جديدة » (رؤ 5 : 9 ) .. فقال : عندما أصعد إلى السماء سألتمس من داود بقيثارته ، وبولس وبطرس وبعض القديسين أن يرنموا الترنيمة التى تبدأ بالقول : يا إلهى أبى ، عندما أضل ... وسيقول أحدهم : إنها لا تصلح هنا يابطرس لأنك الآن فى السماء ولا يوجد ضلال .. فأقول حسناً لنرنم التى تبدأ بالقول : إذا الموج العاصف غطيا رأسى ، إذا تركنى الصديق وضاع الأمل !! .. وأسمع احتجاجاً : يا بطرس لا توجد هنا عواصف . إنك فى السماء !! .. فأتحول إلى الترنيمة التى تقول : إلى عالم الأثمة أنا مرسل ... وإذا بى أسمع من يصرخ : يا بطرس سنخرجك من السماء إذا لم تطلب الترنيمة المناسبة . فأجيب : إذاً لنرنم ترنيمة موسى والحمل !! .. كان ملاك كنيسة فيلادلفيا يؤمن إيماناً راسخاً بأنه لا توجد قوة على الأرض يمكن أن تغلق أمامه الباب المفتوح للمجد السماوى . ملاك كنيسة فيلادلفيا وأسماء الحياة التى له فى المسيح كان ملاك كنيسة فيلادلفيا مجهولا أو شبه مجهول بين الناس ، إذ كان لا يملك من أسباب الدنيا إلا النذر اليسير على حسب مقاييس الناس ، فهو لا يملك ثروة أو جاهاً أو علماً يمكن أن تجعله علماً بين الأعلام المرفرفة فى الأرض ، .. ومع ذلك فإن هذا الرجل كان يملك الحياة بمعناها البعيد العميق الحقيقى ، .. وكان الناس الذين أغدق عليهم العالم ، كما أغدق على ملاك كنيسة ساردس ، لا يعيشون الحياة ، بل يعيشون الموت ، إن صح أن الموت يعاش ، .. أو هم فى واقع الحال على هامش الحياة ، لأن الحياة الحقيقية لا يمتلكها إلا المؤمنون ، ولو تأملنا ملاك كنيسة فيلادلفيا ، وكلمة المسيح له أو وعوده العظيمة المقدمة له ، لعلمنا كيف تكون الحياة فى جمالها الأبدى العظيم ، ... قال المسيح للرجل : «تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليك» ( رؤ 3 : 11 ) وهو هنا يذكره بالسباق على الأكاليل فى الألعاب الأولمبية ، وكيف تعطى لواحد ويحرم منها الآخرون ، وهو لا يريد للملاك أن يتوانى فى المعركة أو يتقاعس عن الركض ، أو لا يستمر فى الجهاد حتى اللحظة الأخيرة ، لئلا يفوز بالأكليل غيره ، دون أن يحصل هو على الأكليل السماوى الذى لا يفنى ، ... وهو لا يكتفى بهذا الوعد ، بل يدخل به إلى الأمجاد ليرى المركز العتيد الذى سيصل إليه ، وهو ليس مركزاً مغموراً أو مجهولاً كمركزه الأرضى ، بل سيكون عموداً فى هيكل اللّه الأبدى ، ... أو عموداً خالداً فى المجد السماوى ، وقد كُتبت عليه ثلاثة أسماء تكشف عن حقيقة الوجود الأبدى ومعنى الحياة أمام اللّه فى السماء ، فهو أولاً مملوك اللّه إلى الأبد جملة وتفصيلا: «وأكتب عليه اسم إلهى» وهذه الملكية تعيد الإنسان إلى وضعه الصحيح حيث قصد اللّه أن يكون على صورة اللّه وشبهه قبل أن تلوثه الخطية ويحطمه الإثم ، ويحرمه من سعادة الحياة الصافية الكاملة المملوكة للّه!! .. وللّه أن تتصور بعد ذلك سعادة الإنسان الذى اندمجت حياته ومشيئته بالتمام فى حياة اللّه ومشيئته ، ولم تعد هناك مشيئتان متعارضتان!! .. وعندما تكون المشيئة بالتمام للّه ، كم يكون الإنسان سعيداً غاية السعادة ممجداً غاية المجد!! .. والاسم الثانى هو المواطن الخالد الساكن فى أورشليم السماوية : « واسم مدينة إلهى أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهى » ... وإذا كان الإنسان لا يعرف باسمه فقط بل تضاف إليه الجنسية أو الرعوية ، فهو هنا من المسجلين فى سجل المدينة الخالدة ، مدينة الأحلام التى عاش الإنسان طوال عصور التاريخ كلها وهو يحن إليها . وإذا كان الناس يفخرون بانتسابهم إلى الأوطان التى كانت عظيمة ومجيدة ، ولكنها هوت إلى الحضيض والرماد،... فإنه لن تبقى بعد سوى مدينة اللّه ، وقد سجل فيها أسماء الخالدين . وأما خارج المدينة فهناك «الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذباً» (رؤ 22 : 15). وقد أضيف إلى المؤمن اسم ثالث : « واسمى الجديد » ... ومع أن المسيح لا يمكن أن يتغير ، وهو الإله القديم ، لكن الجدة هنا تشير إلى العمق الذى وصل إليه المؤمن فى حياته مع المسيح . العمق الذى لا يعرفه إلا بعد تمام الفداء للنفس والروح والجسد ، .. وهنا تبدو علاقتنا بالمسيح ، وقد دخلت إلى عمقها الأبدى ، وسعادتها العظيمة المجيدة الجديدة فيما وصلت إليه ، ولم تكن تدرى أن مثل هذا الينبوع الأبدى الطامى من الحياة يمكن الوصول إليه أو البلوغ إلى أبعاده العجيبة غير المنتهية!!.. كان ملاك كنيسة فيلادلفيا يعيش فى دنياه فى القاع فى كل شئ ، وإذا به يرتقى فى المسيح فوق الجميع ، ويرى نفسه فوق قمة الخلود حيث الحياة الحقيقية بأسمائها اللامعة ، داخل مدينة اللّه فى قصة الأبد !! .. وشكراً للفادى لأنى أنا وأنت هو ذلك الإنسان الذى له الوعد المبارك : « من يغلب فسأجعله عموداً فى هيكل إلهى ولا يعود يخرج إلى خارج وأكتب عليه اسم إلهى واسم مدينة إلهى أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهى واسمى الجديد . من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس » ( رؤ 3 : 12 و 13 )