سيامته بطريركًا لم تنقضِ عشرون يومًا على نياحة الأنبا متاؤس الثالث حتى اختير الراهب مرقس البهجوري الأنطوني بناء على مشورة أرخن ذي رأى مسموع اسمه "بشارة"، فوصلوا إلى ديره واستحضروه إلى القاهرة حيث تمت سيامته في أيام الخماسين المقدسة، وصار البابا الواحد بعد المائة على كرسي الإسكندرية. نشأ هذا الأب في ناحية بهجورة بالوجه القبلي، وترهب بدير القديس الأنبا أنطونيوس باسم الراهب مرقس الأنطوني. وقد سيم بطريركًا في سنة 1646م وكان ذلك في أيام السلطان إبراهيم الأول وكان محمد باشا بن حيدر باشا واليًا على مصر. عودة الرهبان إلى أديرتهم في مستهل بابويته أصدر أمرًا بوجوب عودة الرهبان إلى صوامعهم وأديرتهم مما يتفق مع القوانين الكنسية والقواعد الرهبانية. استاء من هذا القرار بعض الرهبان فلم يرضخوا له بل والتجأوا إلى الوالي يشكوه سوء معاملة البطريرك، فوجدها الوالي التركي فرصة طيبة للقبض على البابا القبطي وإيداعه السجن، ولم تنقضِ أيام حتى عاد زعيم المارقين واسمه "قدسي" إلى رشده واتجه إلى الوالي ينفى الاتهامات ويطلب الإفراج عن البابا ولكن الوالي فرض ضريبة ضخمة على الكنيسة وأكابر القبط. اضطهاد الأقباط تنقل البابا بين ربوع مصر لمدة أربع سنوات ليس من أجل رعاية شعبه ولكن لجمع الأموال قصرًا من الكنائس وكبار القبط حتى ولو بطريقة غير لائقة وأسلوب عنيف، وانتهز الوالي الفرصة فصب على الأقباط جام غضبه وأصدر أوامر مشددة بأن يمتنع أي قبطي عن ركوب الخيل ولا حق لهم في ارتداء الملابس الملونة الحمراء وإنما فرض عليهم الملابس الزرقاء فقط. وأصدر أوامر أخرى أشد تعسفًا بأن يرث الوالي من يموت من القبط، فحرم بذلك الأرامل والأيتام حقوقهم الشرعية والطبيعية، ولكي تزداد ثروة الوالي كان يأمر بقتل قبطي أو اثنين يوميًا حتى بلغ من قُتلوا في أيامه من القبط - من أجل الميراث - ألف ومائتي رجلاً. نياحته ليس غريبًا أن مثل هذا البابا ينتقل إلى دار البقاء يوم الجمعة العظيمة إذ ينشغل الكل بأحداث الصلب والفادي وبالتالي تقل قيمة كل إنسان سواه وصُلى على جثمانه ساعة من ساعات البصخة كالمعتاد ثم تمت صلوات التجنيز يوم سبت النور ودُفِن في كنيسة القديس مرقوريوس أبو سيفين بمصر القديمة بعد أن قضى على الكرسي البابوي ما يزيد على العشر سنوات، وكانت نياحته سنة 1656م، وخلى الكرسي بعده أربع سنوات وسبعة شهور وستة عشر يومًا. الكاتب القبطي يوسف أبو دقن المنوفي كتب يوسف أبو دقن المنوفي دافعًا عن الإيمان المستقيم بأسلوب مهذب لا يخدش أية طائفة أخرى، كما أوضح كيف استؤمن القبط على أموال الدولة وخدماتها. وعند حديثه عن الرهبان والراهبات أشاد بنسكهم وتقشفهم ودقة تعاليمهم ومحافظتهم على الطقوس الكنسية وتواجد أديرة الراهبات بجوار الكنائس. ومن كتابات هذا الأرخن المؤرخ "مختصر دقيق لطقس رفع بخور عشية وباكر" وطقس تقديم الحمل المقدس. وأشاد بمهارة القبط في صناعة المجوهرات والحلي بالإضافة إلى النجارة والحدادة والخياطة وصنع الأحذية والحفر على الخشب والجلد والمعادن إلى جانب حذق الأقباط في الهندسة والعمارة والفلك، وكانت الكتاتيب (المدارس) الملحقة بالكنائس يتعلم فيها الجميع دون تفريق مبادئ القراءة والحساب والجغرافيا واللغتين القبطية والعربية. بالرغم من موقف القبط هذا من الدولة، إلا أن التعصب الأعمى جعل الترك يزعمون أن اضطهاد القبط هو مفتاح للجنة فقتلوا الكثيرين، مع أن القبط كان لهم دورهم الكبير في حياكة الستور والأغطية التي يستتر وراءها جدران الكعبة في مكة عندما أعيد بناؤها بعد نزول سيل جارف عليها فهدمها آنذاك