عقيدة الحبل بلا دنس هي الأولى من حيث الأهمية وذلك لما يدور حولها من جدال وحوار مع الطوائف الأخرى حيث أنها من أول العقائد التى أعلنت من عقائد مريم لأنها حسب الترتيب التاريخي تكون عقيدة الحبل بلا دنس الثالثة، وقد أعلنت في 8 ديسمبر 1854 وحددها البابا بيوس التاسع الذي كان يرأس كرسي روما من سنة 1864 – 1878، وقد أعلنها البابا على أنها عقيدة موحاة فلذلك على كل مؤمن داخل الكنيسة الكاثوليكية أن يؤمن بهذه العقيدة، ولهذا فمن المهم معرفة نص العقيدة التي تدعونا الكنيسة للإيمان بها.
نص العقيدة :
"أن الطوباوية مريم العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى من الحبل بها، وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري"
شرح نص العقيدة :
الهدف من نص العقيدة هو تبرئة العذراء من أي علاقة بالخطيئة ؛أي
أنها طاهرة تماماً ليس لها خطية أصلية أو شخصية منذ اللحظة الأولى التي حبل بها وحتى وجودها كإنسان، نظراً للمكانة التي ستحتلها مريم بأن تكون أماً لله تعالى.
شرح بعض النقاط أو الألفاظ لإزالة الغموض في العقيدة :
ولكي ندخل في جو العقيدة لابد لنا من شرح بعض التعبيرات التي قد تثير تساؤلات واستفسارات من البعض:
- الخطيئة الأصلية : الخطيئة الأصلية كفعل تم في اللحظة التي حدث فيها سقوط آدم في الخطيئة، ونجد القديس بولس يشرح معني الخطيئة الأصلية في ( رسالة رومية الإصحاح 12:5 ) فخطية التكوين هي إذا كان آدم هو الإنسان وكل الإنسان، فخطيئته أيضاً هي خطيئة كل إنسان، هي خطيئة العالم، وفي هذا المعنى، كل خطيئة من خطايانا تدخل في خطيئة آدم هذه وتضخمها وتزيدها كثافة. وأما عن القديس بولس، والذي يركز أكثر على فكرة الخلاص :- " ليس التركيز على الخطيئة الأصلية إلا نتيجة لحقيقة أكثر أهمية بكثير وهي "أننا جميعاً مخلصون بيسوع المسيح " ويواصل قوله ويضيف : " أننا جميعاً مخلصون، لأننا جميعاً كنا في حاجة إلى أن نكون مخلصين" فيحاول أن يثبت ذلك، أولاً بطريقة إحصائية مبيناً أن اليهود والوثنيين هم خاطئين راجع ( رو 3:1 ) ثم يستأنف إقامة الدليل بطريقة رمزية قائلا: " بما أن آدم يمثلنا جميعاً وأنه أخطئ، فنحن جميعاً به خاطئين ولكن ذلك مجرد استنتاج. لأن الجوهر هو أننا مخلصون بيسوع المسيح ." " حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة" هذه هى نظرة بولس الرسول التي تظهر معنى أو مفهوم الخطيئة الأصلية وفي الآن نفسه تركز على الخلاص أكثر، وذلك لإظهار قيمة عمل الخلاص الذي قام به مخلص البشرية يسوع المسيح من ناحية ومن ناحية أخرى لإظهار ولكن بطريقة غير مباشرة احتياج الجميع إلى الخلاص - سواء يهودي أو وثني- وبالطبع وبما أن العذراء هي إنسان فهي أيضاً محتاجة للخلاص ولكن بأي طريقة هذا ما سنراه في هذا البحث البسيط ، فالخطيئة الأصلية ليست فقط بالوراثة، تتناقل من جيل إلى جيل عن طريق فعل الزواج ولكن هي خطيئة طبيعية، أي فى طبيعة الإنسان، والتي كان يمثلها آدم. 2- معنى عبارة الحبل بلا دنس كل حبل ضمن زواج شرعي هو حبل بلا دنس، ويعتبر الحبل بدنس عندما يكون حبلاً غير شرعياً أي ناتج عن زنا ، والحبل الناتج عن سر الزواج هو عمل مقدس لأن الإنسان بواسطة فعل الزواج يشارك الله في الخلقة، هذا الرأي يقال ضد الذين يحاولون تدنيس فعل الزواج من ناحية ومن ناحية أخرى كمعنى لعبارة الحبل بلا دنس في المفهوم العام . والبعض يجهل المعنى الحقيقي للحبل بلا دنس مما يطلق عليهم المثل القائل "إن أشد أعداء الحقيقة هو من يجهلها" فإذ يقولون أن الكنيسة الكاثوليكية تدعى أن العذراء حبلت بها أمها القديسة حنة بلا زرع بشر أي مثل ما حبلت العذراء نفسها بشخص المسيح المبارك عن طريق الروح القدس وبالتالي هي لا تحتاج إلى فداء المسيح ولا يفديها دمه المسفوك؛ أي أنها لا
تحتاج إليه، ولكن في حقيقة الأمر أن العذراء مريم حبل بها كسائر البشر أي من رجل وامرأة، وهذا خلاف ما ذكره إنجيلاً منحولاً أي ليس موحياً به عرف باسم " إنجيل يعقوب" الذي ظهر في القرن الثاني ومنه شاع هذا القول الخاطئ بين الكثيرين من الذين يقولون ما سبق . كذلك حصلت العذراء مريم على امتياز الحبل بلا دنس عن طريق استحقاقات سيدنا يسوع المسيح فهو فداها، والنعمة المعطاة للعذراء لم تكن نعمة تبرير، لأنها لم تسقط في الخطيئة الأصلية أو الفعلية، فهذه نعمة مسبقة جعلت العذراء مريم تدخل هذا العالم من دون دنس الخطيئة الأصلية وفي حالة النعمة ولنا ملخص على ذلك في السطور التالية : " العصمة من الخطيئة الأصلية كانت لمريم هبة من الله وتدبيراً استثنائياً لم يعط إلا لها، ومن هنا تظهر العلة الفاعلة للحبل بمريم البريء، فهي من الله القدير، وتظهر أيضاً العلة الاستحقاقية بيسوع المسيح الفادى، و النتيجة هى أن مريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً، فهي كانت نتيجة لأصلها الطبيعي، ولضرورة الخطيئة الأصلية، مثل أبناء آدم جميعاً إلا أنها بتدخل خاص من الله قد وقيت من دنس الخطيئة الأصلية، وهكذا افتديت بنعمة المسيح لكن بصورة أكمل من سائر البشر وكانت العلة الغائية القريبة للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية". ورغم أن العذراء كانت معصومة من الخطيئة الأصلية إلا أنها لم تعصم من ملحقات الخطيئة، أي الألم والعذاب، والعذراء، هي "حواء الجديدة" التى ساهمت مع "آدم الجديد" – المسيح- في ولادة البشرية إلى حياة جديدة أساسها الفداء على الصليب. 3- معنى عبارة اللحظة الأولى : إن كلية الطوباوية مريم العذراء من اللحظة الأولى من الحبل بها، أي من اللحظة التي خلق فيها الله النفس ونفخها في المادة الجسدية التي أعدها الأبوان وهي معصومة من الخطيئة الأصلية، وتظهر أهمية اللحظة الأولى في العقيدة لأن العقيدة تقول وتحدد أن شخص مريم العذراء الناتج عن اتحاد النفس والجسد هو المعصوم لأن التحديد ليس للجسد فقط ولا للنفس فقط بل لشخص مريم الشامل. "لم يوجد كائن في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض تبادل العطية مع خالقه سوى مريم فقط لأن الرب الإله خلقها وأعطاها نعمة الوجود وجعل فيها روحاً خالدة على صورته ومثاله ومريم أعطته جسداً من جسدها الطاهر. والكنيسة المقدسة تقول في الإيصلمودية: "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له". وكونه أخذ الذي لنا فهذا عن طريق هذه القديسة الطاهرة مريم التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة. لقد أعطي الرب الإله مريم شخصية متكاملة الفضائل. وقد رأي فيها هذه الفضائل قبل أن يخلقها بمقتضي علمه السابق وخرجت من بين يديه الطاهرتين في قمة الكمال نفساً وجسماً وروحاً. ولكن الرب الإله المهندس الأعظم الذي يخلق الأشياء في أسمى صورة. خلق له مسكناً نظيفاً طاهراً وجهزه بكل ما يلزم لاستقبال الرب الخالق بحيث أن هذا المسكن الذي صنعه هذا المهندس الأعظم لم يكن فيه نقص وقد صنعه الله الخالق العظيم، والذي يدعوه الكتاب قائلاً: " ما أعجب أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت" أما المسكن العظيم الذي صنعه الرب لسكناه فهو مريم العذراء التي صارت أطهر من السماء وأقدس من الهيكل لاحتوائها في بطنها الطاهر. من لم تحوه السماء والأرض"
خلاصة مضمون العقيدة وتحديدها: إن العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية، وإن الخطيئة هي الخلو من النعمة المبررة التي سببته خطية آدم الأصلية، إذن العذراء دخلت إلى العالم في حالة برارة أي في حالة النعمة، وهكذا كان تدبيراً استثنائياً من قبل الله خاص بمريم، والعلة الفاعلة لذلك هو الله الذي بررها واستثناها من شمول الخطيئة الأصلية على الجنس البشري كله، فهو القادر على كل شيء، وهي التي كانت أمه " أم مخلص الجميع " فالله برر العذراء بتطبيق استحقاقات يسوع المسيح "بأثر رجعي" . إذن مريم كانت محتاجة إلى الفداء وافتديت ولكن بطريقة سامية "فقد فداها المسيح إذن ولكن بطريقة الوقاية، المناعة" وهذه البراءة بعد الخلقة، فمريم كانت حرة تماماً، فالنعمة التي يعطيها الله لا تسلب الإنسان حريته، فالإنسان حر رغم كل برارة ونعمة. "هذه عطية الرب لأمه. إذ جعلها أجمل هدية وأغلى عطية يقدمها الرب الإله للعالم الهالك الذي قرر أن يخلصه بتجسده من هذه القديسة. أما عطية مريم لخالقها فهو الجسد المقدس الذي كونه الروح القدس في أحشائها الطاهرة. وإذا قلنا أن جسد المسيح له المجد أعطته له أمه الطاهرة مريم. فهذا يعنى القول من مالك وأعطيناك. فبالطبع كل شيء عند الإنسان هو من الله ولكن الله في سماحته ومحبته خص الإنسان بما أعطاه أن يكون له ويملكه حسب القول: "أعطوني العشور وجربوني". كالقول: "يا ابني أعطيني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي". من هذا المنطق نقول أن مريم تبادلت العطية مع خالقها وأبنها فهو أعطاها نفسها وحياتها وكلها وهي أعطته جسده المقدس من جسدها الطاهر. وهذه العطية التي أعطتها مريم الأم ليسوع