اقواله
من قولِ القديس اكليمادوس، وصيةً لمن يريدُ الدخولَ في سلكِ الرهبنةِ: «اسمع يا ابني كلامي واحفظه. واعلم أنك منذ الآن قادمٌ لتقاتلَ السباعَ والتنانين والأراكنة الشياطين في طريق التوبةِ التي هي كربةٌ وصعبةٌ. واعلم أنك قد نصَّبت نفسَك هدفاً للشدائدِ والأحزانِ يوماً بعد يومٍ إن أردتَ أن تكون راهباً. لأنه مكتوبٌ: توقّع يا ابني الشدةَ بعد الشدةِ من وقتٍ لآخر، وهيئ نفسَك لذلك. لا تتوانَ لئلا تندمَ أخيراً وتُصبحُ رهبانيتُك باطلةً. لا يوجد ها هنا طعامٌ أو شرابٌ، بل جوعٌ وعطشٌ دائمٌ. ومنذ الآن لن يكونَ لعبٌ أو ضحكٌ أو قهقهةٌ أو انحلالٌ. بل انكر نفسَك في كلِّ شيء ولا تكمِّل أغراضَك الجَسَدَانية، ولازم الحزنَ والبكاءَ عوضَ الانحلالِ واللعبِ. داوم على السهرِ والصومِ إلى المساءِ في كلِّ زمانِك، إلا في حالةِ مرضٍ يلحَقُك أو ضعفٍ يصيبُك. هذا ما يجبُ أن تمارسَه إن آثرتَ أن تكونَ راهباً. لأنك إن كَسَلْتَ في إتمامِ إحدى هذه الوصايا فما أكملتَ الواجبَ، ويكونُ وعدُك كاذباً وآراؤك عن الرهبنةِ ليست صحيحةً، ومالُك الذي وزعتَه قد أضعْتَه سُدى إذ تصبح طلباتُك فارغةً، لأنك لم تستيقظ بقوةٍ ولم تُقبل على السيرةِ الرهبانيةِ باجتهادٍ، ولم تربط وسطَ قلبِك بالكمالِ، ولم تستعد للقتالِ الشديدِ ضد الشياطين غير المنظورين، كما يقول الرسولُ بولس: إن قتالَنا ليس مع لحمٍ ودمٍ، بل مع الرؤساءِ والسلاطين ومع أجنادِ الشرِّ في عالمِ الظلمةِ ومع الأرواحِ الخبيثة. فافحص قلبَك قبل أن ترفضَ الدنيا وتهيئ ذاتَك جندياً للسيد المسيح.
اعلم أنك ذاهبٌ لتُقاتلَ الذئابَ والنمورَ والسباعَ والوحوشَ الضارية، وليس ذلك لأيامٍ ولا لشهورٍ ولا لسنين قلائل، بل حياتك كلها حتى تظفرَ بالعدو. إن أردتَ أن تكون راهباً فانزع جميعَ أفكارِ العالمِ من قلبِك. الراهبُ هو ذاك الذي يستعدُ ليصيرَ مثل الملائكةِ بدونِ همٍّ، ويشقُّ عنه ثوبَ العالمِ. لا تظن أن معاشرات القديسين وحدها أو السُكنى في مواضعِ الصديقين فقط تنفعُك، بل ارفض جميعَ هذه الخرافات لأنه لا تؤخذ أُجرةُ المجاهدين لتُعطى للكسلان، لأن الأخَ لا يفدي فداءً. إذ يقول: إنك تجازي كلَّ واحدٍ حسب عملِهِ. فلا تتخلَّ عن كبيرةٍ ولا عن صغيرةٍ من جميعِ الوصايا. بل قم بجميعها بثباتٍ وإلا فالأفضل لك أن تقيمَ مع العلمانيين. لأن الرهبنةَ هي درجةُ الملائكةِ الذين لا يفترون لا ليلاً ولا نهاراً عن خدمةِ ملكِهم، فَمَن دخل فيها بانحلالٍ وكسلٍ، فقد صيَّر نفسَه أشقى حالاً مما لو كان بانحلالٍ في العالمِ. وإذ لبستَ إسكيمَ الرهبنة فلا تتعظَّم بل بالأكثر اتضع لأنك قد أخذت خاتمَ الجنديةِ للمسيحِ، وأخضِعْ عُنقَك تحت نيره ولا تكن مقاوماً له ولا محارباً.
لا تَكسَل في الذهابِ إلى الكنيسةِ وقت الصلاةِ الجامعةِ وأَكمِل عبادَتَك لله بخوفٍ، وتأدَّب في صلاتِك ولتكن من كلِّ قلبِك وعقلِك. وإذا ضرب الناقوسُ في نصفِ الليل لا تَكسَل بل قم وصلِّ بحرص ولا تتلُ صلاتَك بفمِك وحدَه، بل ليكن فكرُك وعقلُك وجميعُ حواسِك متضرعةً لله وناظرةً إليه. وإذا مضيْت إلى الكنيسةِ فإياك أن تجلسَ عند البابِ وهم داخلون للصلاةِ. احفظ نفسَك وكن خائفاً من الله. وإذا أتاك أخٌ وكلَّمك فيما لا يجب فلا تخف البتة، بل اجعل نفسَك أخرسَ وأطرشَ ولا تسمع لقولِه ولا تَلُمهُ في قلبِك، بل كن مثلَ طفلٍ صغيرٍ لا يعرف شراً ولا شيئاً من المكرِ. إياك أن تُجيبَ أو تحدِّثَ أحداً حتى ولو كان بكلامٍ جيدٍ ما دمتَ في الكنيسةِ. وإذا خرجتَ إلى قلايَتِك اهتم بقراءةِ الكتبِ الإلهية والصلاةِ ولا تتفرغ لشغلِ اليدِ وحده فتنسى الله خالقَك. إذا جلستَ على المائدةِ لتأكلَ مع الإخوةِ فلا تتحدث مع أحدٍ. وإن حدَّثوك فلا تُجبهم حتى تفرغَ من الأكلِ، واشكر الله سبحانه وتعالى على جميع أفعالِهِ وما أنعم به علينا بالرغم من عدمِ استحقاقنا. واندم على خطاياك واجعل قلبَك مع اللهِ في كلِّ وقتٍ لتستحقَ نعمتَه. إذا جلستَ في خِزانتِك فاقرأ بتعقُّلٍ وفهمٍ، وفكِّر في تمجيدِ اللهِ. وهكذا تفعل كلَّ أيامِ حياتِك أمام الله لتكون لك الطوبى أي الحظ الشريف مع القديسين. ومع هذا كلِّه عليك أن تتحققَ أنه لا يلبسُ الإكليلَ إلا من جاهد وصبر على الشدائد وغلب الأعداءَ وهزمهم، وظهرتْ شجاعتُه فيهم أمام الملكِ العظيمِ الربِّ يسوع المسيح، الذي استحققتَ أن تحاربَ من أجلِ اسمِهِ القدوس فتغلب كما غلب هو، إذ يساعدُك بقوَّتهِ العظيمةِ. لأنه قال: ها أنا معكم كلَّ الأيامِ إلى انقضاءِ الدهرِ له المجد، آمين».