سلام ونعمة://
الكنيسة ليست مؤسسة اجتماعية دينية مثل أي مؤسسة أخرى عملها أن تُنادي للكل أن يتخلق بعدة مبادئ أخلاقية وسلوكية ليصبح إنساناً صاحب مبدأ وأخلاق مثل باقي الناس الطبيعيين من الجهة الإنسانية ، ولأن كثيرين اليوم من الخدام وبعض الكهنة والشعب ... الخ ... لا يروا الكنيسة في حقيقة كرازتها النبوية ، إذ أن الواجب الموضوع عليها أن تقدم رسالة الكرازة بالحق الإلهي من جهة خلاص وتجديد العالم ، والقاعدة التي تنطلق منها الكرازة الحقيقية هي الإفخارستيا ، لأن الرب نفسه هو الذي سلم هذه القاعدة التي تنطلق منها الكنيسة وبدونها مستحيل أن تكون هناك كرازة سليمة أو خدمة حقيقية لأي خادم ، بل وتبطل كل خدمة وكل كهنوت وكل كلمة لأنه ستكون كاذبة لأنها لم تنطلق مما أسسه الله بذاته ، وما هي يا ترى هذه القاعدة الأساسية التي تقوم عليها كرازة الكنيسة وكل خدمة حقيقية !!!
وبالطبع لن نقول تأمل خاص أو نضع رأياً شخصياً أو فكرياً أو كلام معقد فلسفي يصعب فهمه ، بل نضع ما قاله الرب بذاته كما هو وبفمه الطاهر ولا يحتاج لتعليق لأنه واضح كشمس النهار ، فهو يقول الآتي :
[ لأنكم في كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكروني إلى أن أجيء ] (1كو2: 26) ، وطبعاً نجد هذا التعبير موجود في كل قداس يرفع ويستحيل أن يخلو منه في العالم أجمع !!!
ومن هذا المنطلق تكرز الكنيسة وجميع خدام المسيح الأمناء فيها بـ : [ توبوا وآمنوا بالإنجيل ] ، وطبعاً التوبة والإيمان بالإنجيل ، إنجيل بشارة يسوع الذي يخبر بموت الرب وقيامته ، أي انتهاء سلطان الخطية وتجديد الحياة وإعطاء خليقة جديدة في المسيح بقيامته ، لا تأتي إلا على أساس الدخول في سر المسيح الكلمة المتجسد بالاتحاد به على مستوى الواقع في الإفخارستيا !!!
فالكرازة يا أحبائي – وعلى الأخص الخدام – لا تأتي بمجرد الكلام أو وضع مبادئ أخلاقية أو التأكيد على أن العطاء هو أساس المسيحية ، بل تنطلق من سرّ الإفخارستيا ، لأن حتى التوبة لا تكتمل بغفران حقيقي إلا بدم المسيح الذي يطهر ضمائرنا من أعمال ميتة لنخدم الله الحي ، [ إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين و عادل حتى يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل إثم (1يو 1 : 9) - و لكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض و دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية (1يو 1 : 7) ] ، ودخولنا الملكوت لا يعتمد إلا على دم المسيح فقط المقدم لنا في الإفخارستيا والذي رُش على قلوبنا بالإيمان بيسوع حمل الله رافع خطية العالم [ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع (عب 10 : 19) ]
فباطلة كل خدمة لا تقوم على أساس إفخارستي حي ، لأن الإفخارستيا هي برهان على الحق والشاهد الأمين على موت الرب وقيامته ، وهذه هي أساس الكرازة ومبدأها ، لأننا نبشر بموت الرب ونعترف بقيامته في إفخارستيا حيه بشخص المسيح الحي الذي يعطي ذاته بذاته لنا بسر عظيم لا يُدرك ويفحص على مستوى العقل وحدود الفكر إنما يُدخل إليه عن طريق المشاركة والأكل والشرب ، لذلك الإفخارستيا هي الملتقى الأساسي لحياة الكنيسة ، فهي مركز العبادة والشركة بين الإنسان الذي يتوب ويؤمن باستمرار والله الذي يتحد بنا ويشدد ويؤكد الاتحاد فينا بالاشتراك في جسد يسوع الذي يتحد بنا بسر عظيم لا ينطق به ومجيد ، وأيضاً الإفخارستيا سر وحدتنا في كنيسة الله ، وبدونها يستحيل أن نتحد ونكون واحد فعلاً لأن هذا هو مطلب الله [ و أنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما إننا نحن واحد ] (يو 17 : 22)
فإن أردنا أن نكرز ونخدم في كنيسة الله لابد من أن يكون لنا شركة مع الله واتحاد حقيقي به على مستوى السر بالتوبة والإيمان العامل بالمحبة ، فلننطلق من المذبح الناطق السمائي ، الذي أمامه ينطق الكاهن ليقول ما لا يهتم به أحد : [ أرفعوا إلى فوق قلوبكم (وهي الأصح في النداء) – أو أين هي قلوبكم ] ويرد الشعب قائلاً [ هي عند الرب ] ، فنداء الكاهن خطير وهام للغاية وهو نداء لنرتفع أمام الله بالروح لنقف أمام المذبح السمائي الناطق ، ويقول القديس أثناسيوس [ المذبح المنصوب قدام الرب في السماوات هو الروح القدس ، ينطق ويتكلم وهو يعرف الذي يخدمه ] ( من قوانين القديس أثناسيوس ال 107 المختصة بالمذبح والكنيسة )
ويقول القديس إيرينيئوس : [ إن مشيئته أن نقدم قرباننا أمام المذبح كثيراً وبدون توقف . والمذبح هو في السماء " لأنه ينبغي أن نوجه صلواتنا وقرابيننا تجاه هذا المكان " ، والهيكل هو هناك كما يقول يوحنا " وانفتح هيكل الله في السماء " (رؤ11: 19) ، وخيمة الاجتماع أيضاً " هوذا مسكن الله مع الناس وسيسكن الله معهم ويكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم " (رؤ21: 3) ]
عموماً ، نقول في الختام :
رسالة المسيحيين الحقيقية – تلاميذ الرب – هي كشف المسيح الرب الكنز المخفي في الأسفار النبوية والكرازة به لجميع الأمم ، بموجب موهبة استنارة معرفتهم وفهمهم بالروح والخبرة لصليب المسيح المُحيي في سر الألم والقيامة . وهذا هو المضمون العالم " للكرازة بالحق " كما يُسميها القديس إيرينيئوس ...
فيا أحبائي فلنكف عن أن نعلم مجرد مبادئ وشوية أخلاق وكلام معسول ، ونقدم اليوم وكل ساعة شخص المسيح الكلمة المتجسد الذي نحيا به متحدين قائلين على مستوى الخبرة والفعل والعمل [ آمين آمين آمين بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السماوات نعترف نسبحك نمجدك نشكرك يا رب ونتضرع إليك يا إلهنا ] ، ومن هذا المنطلق ستتبدد الظلمة من حياتنا ونتخلق بأخلاق المسيح الإلهية بفعل عمله في قلوبنا بسر المحبة ، ومن هنا ندرك سر التوبة وفاعليتها ، لأن التوبة ليست فكرة ولا نظرية ولا كلام طويل ومعقد ، أو موضوع يوجد فيه 50 بند يشرح كيف نبطل خطية ، وأنا حقيقي أُذهل جداً واقف حائراً أمام هذه الموضوعات من كثرة البنود والتي أجدها مكتوبة في موضوعات عن التوبة والتي توضح أنه مستحيل بها أحد أن يخلص !!!
مع أن التوبة أبسط من هذا كله لأنها مقدمة بدم حمل الله رافع خطية العالم والذي يعمل في داخلنا بروحه القدوس في سر ما قدمه لنا لنحيا به ونتحرك ونوجد فعلاً وعلى مستوى الإيمان الذي يرى ويبصر مجد الله بوجه مكشوف كما في مرآة لنتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ...
يا أحبائي اليوم أكلمكم بأسرار إلهية كاشفاً سر إيمان الكنيسة كلها ، لأن هذا هو سر خدمتنا ومحور بشارتنا وفعل عبادتنا وقوة سجودنا بالروح والحق .... مجداً للثالوث القدوس الإله الواحد آمين