9. قانونية السفر
فى مجمع يمنيا jamnia و الذى عقد سنة 90 م ، قام اليهود مرة أخرى بتحديد الأسفار القانونية للعهد القديم ، حيث إستبعدوا مجموعة من الأسفار المسماه ( بطريق الخطأ ) الأسفار القانونية الثانية ، بما فيها سفر طوبيا ، من قائمة كتبهم المقدسة رغم إنتشاره فى ذلك الوقت و كان السبب فى إعادة تحديد كتبهم المقدسة هو إعتبارهم أن المسيحية قد خرجت عن الإطار اليهودى و من المحتمل بذلك أن تضيف بعض الأسفار السابقة .
أما عن السبب فى رفضهم سفر طوبيا بالتحديد ، فإنه يحتمل جدا أن اليهود فى الجنوب ( أورشليم ) قد رفضوا أى شىء قادم من مملكة الشمال بإعتباره فاسدا ً دينيا ً و لا يصلح . لإعتبارهم أن المملكة الشمالية قد دخلت عليها تأثيرات وثنية كثيرة كعجلى الذهب اللذان وضعهما يربعام بن نباط فى دان و بيت إيل ، و تعيينه كهنة من غير سبط لاوى ، و غيره من الملوك ( مثل آخاب ) و الذين ساعدوا بقوة على طمث الهوية الدينية اليهودية و محاولة صبغها بالصبغة الوثنية لأغراض سياسية و شخصية ،
و هم بذلك نظروا إلى سفر طوبيا نظرة لا تخلو من الشك و التحفظ ، و لعل هذا ما يبرر عدم ضمه إلى بقية الأسفار رغم وجوده أيام عزرا الكاهن . 13
و من بين الأسباب التى دعت اليهود أيضا ً إلى إعادة تحديد الأسفار فى مجمع يمنيا هو أنهم كانوا على مشارف فترة شتات طويلة سوف تتجاوز العشرين قرنا ً ! و من هنا يصبح من الضرورى لديهم تحديد الأسفار التى ستقرأ فى مجامع الشتات .
و بتعبير آخر نستطيع أن نقول أنهم وضعوا هذه الأسفار ( طوبيا و يهوديت ... ) مع الأسفار و التعاليم المسيحية ( فى سلة واحدة ) لجعلها أسفارا ً ( تدنس الأيدى sefarim hizonim )
و هو تعبير الذى أصطلح عليه للدلالة على الكتب المرفوضة ( كما إستخدمه التلمود ) .
و لكن فى مجمع يمنيا الذى تم فيه الحكم بالتصويت ، لم يكن معصوما ً من الخطأ ، أما أباء و معلمى الكنيسة الأولى ، فقد إعتبروها أسفارا ً لها نفس أهمية و مصداقية الأسفار الأخرى ، فى الوقت الذى رفضوا فيه أكثر من ثلاثين سفرا ً ، إعتبروها كتبا ً تاريخية أو أدبية ، لا ترقى إلى مستوى الأسفار التى نحن بصددها . 14
و قد رفضت الكنيسة أيضا ً المصطلحات ، التى ظهرت للتعبير عن هذه السفار التى قبلتها ككتب موحى بها ( مثل طوبيا ) .
و من هذه المصطلحات :
* apocrypha أبوكريفا، لإنه تعبير أصبح يطلق على الكتابات التى تحوى الأساطير و التعاليم المشكوك فى صحتها و نسبتها.
* pseudepigrapha بسودبجرافا، و الذى يعنى الأعمال الكاذبة.
* deuterocanonicsl أى الأسفار القانونية الثانية ( ديتروكانونيكال ) 15 إذ تعتبرها الكنيسة ( أى الأسفار التى نحن بصددها ) أسفارا ً فى نفس مستوى و أهمية الأسفار الأخرى . و هذه الأسفار هى :
1. سفر طوبيا ( موضوع دراستنا ) .
2. سفر يهوديت .
3. تتمة سفر أستير .
4. سفر الحكمة .
5. سفر يشوع بن سيراخ .
6. تتمة سفر دانيال .
7. سفر نبوة باروخ .
8. سفر المكابيين الأول .
9. سفر المكابيين الثانى .
إضافة إلى :
* المزمور المائة و الواحد و الخمسين .
* صلاة منسى الملك .
أما يهود الشتات فقد إستخدموا هذه الأسفار فى عبادتهم ، نظرا ً لإتساع أفقهم اللاهوتى ، بالنسبة لنظرائهم فى فلسطين ، بل أن جماعة الآسينيين essens و التى سكنت بجوار البحر الميت فى فلسطين كانت تستخدم هذه الأسفار ، حيث عثر فى سنة 1947 م فى كهوف قمران qumran على خمسة أجزاء من سفر طوبيا و بعض من سفر يشوع بن سيراخ .
و قد أشار العالم إسفلدت eissfaldt فى طبعته الثانية لكتابه ainlatlung سنة 1956 م ، أن إكتشافات قمران أثبتت أن المجتمع الأسينى فى قمران ، عرف مجموع كتابات تتفق مغ القانون اليونانى المعمول به لدى يهود الشتات و المأخوذ عن السبعينية .
و على الرغم من أن اليهود يزعمون أن الوحى قد توقف منذ عصر أرتحتشتا ، فى القرن الرابع قبل الميلاد ( كما ورد فى تاريخ يوسيفوس ) فإننا نقرأ فى (2 مكا 2 : 14 ) (و كذلك جمع يهوذا كل ما ضاع منا من الكتب في الحرب الأخيرة ، و هذه الكتب في حوزتنا ألان.) أن يهوذا المكابى قام بجمع بعض الكتب و الأسفار و المخطوطات و قد حدث ذلك فى سنة 163 قبل الميلاد ، مما يدل على أنه كانت هناك أسفار لم تدرج بعد ، عثر عليها بعد عصر عزرا .
فعندما قام عزرا الكاتب بجمع الأسفار المقدسة ، لم يعثر عليها جميعا ً بسبب ظروف الشتات ، كما أن بعض من هذه الأسفار التى نحن بصددها ( مثل يشوع بن سيراخ و المكابيين ) قد كتبت بعد عصر عزرا ، و قد فقد كثير من الأسفار الأخرى التى أشار إليها الكتاب المقدس مثل سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا و إسرائيل و سفر ياشر و سفر حروب الرب و سفر عدو النبى .
و من هنا فإن الترجمة السبعينية تعد عملا ً عظيما ً ، و علميا ً ، و متمم لما قام به عزرا الكاتب ، إذ أنه من المؤكد أن علماء اليهود الذين أوكل إليهم بطليموس فيلادلفوس هذا العمل كانوا موضع ثقة و على دراية كبيرة بالأسفار و الظروف المختلفة التى حولها ، و كان عملهم هذا بتدبير من الله 16 . (أنظر صفحة 106).
و قد ظلت الكنيسة منذ البداية و بعد أن دون السفر كجزء من الكتاب المقدس و ذلك قبل سنة 240 17 متيقظة لأية محاولات تنال من هذه الأسفار ، على مر السنين ، و لعل أول صفة قانونية مجمعية توهب لهذه الأسفار كانت فى مجمع نيقية المنعقد سنة 325 م حسبما صرح بذلك القديس جيروم ، الذى يقول : أن إعتراف هذا المجمع با ، قد قضى على أى شك لديه من ناحيتها .
و قد تصدت الكنيسة الأولى تلك المحاولات ، فى مجمع هيبو hippo الذى عقد سنة 393 م و الذى حضره القديس أغسطينوس ، أعقبه مجمع قرطاجنة الأول سنة 397 م ثم الثانى سنة 419 م .
ثم قامت الكنيسة الرومانية بعد ذلك بإعتماد ترجمة القديس جيروم – بعد هذين المجمعين – و أعطتها إسم الفولجاتا volgate أى الشعبية ، معتبرة جميع الأسفار – بما فيها الأسفار موضوع دراستنا – ذات صيغة قانونية واحدة ، دون تمييز .
و بفضل معلمى و آباء الكنيسة الأول ، ضم سفر طوبيا مع بقية الأسفار ضمن مجلد واحد و فى عدة لغات ، متخذة هذه الأسفار ترتيبها بين بقية أسفار العهد القديم ، و ظلت تحظى بالشريعة حتى القرن الرابع عشر ، حين قام العالم المسيحى ( من أبوين يهوديين ) نيقولاوس الليرالى nicholus of lyra ( مات سنة 1340 م ) . بعمل طبعة للكتاب المقدس ، وضع فيها هذه الأسفار فى ملحق منفصل ، فى آخر العهد القديم ، هى طبعة wycliffe of bible سنة 1340 م ، و تعد هذه هى المرة الأولى التى تفصل فيها هذه الأسفار هكذا .
و قد كان لهذا العالم و طبعته هذه ، الأثر المباشر و الرئيسى على مارتن لوثر ، مؤسس حركة الإصلاح، و الذى قام بالتعاون مع العالم الألمانى كارل ستار karl star بعمل ترجمة للكتاب المقدس سنة 1534 م حيث قام بفصلها أيضا ً عن العهد القديم مطلقين عليها إصطلاح ( نافعة للقراءة ) و أسموها أبوكريفا ، ظلما ً .
و منذ ذلك الحين و بدأت تظهر طبعة للملك جيمس للكتاب المقدس k.j.v. ، أحيانا ً بدون هذه الأسفار
، حتى أعلنت جمعية الكتاب المقدس فى بريطانيا بعد مناقشة حادة سنة 1847 م بخصوص هذه الأسفار ، بأنها سوف تحذفها من طبعاتها ، ليس كذلك فحسب و إنما إمتنعت أيضا ًعن مساعدة الجمعيات الأوربية التى تصدر الكتاب المقدس متضمنا ً هذه الأسفار ، و هكذا تدخلت إقتصاديات الطباعة أيضا ً فى حذفها !! .
أما الكاردينال كاجيتان cajetan ، و هو الخصم الأكبر لمارتن لوثر 18 فقد صرح قائلا ً :
{ إن الكتب التى كانت معدودة عند جيروم ، قانونية ، يجب أن نعتبرها قانونية ، و التى كانت محسوبة عنده غير قانونية ، ينبغى أن نرفضها } ثم أضاف ] إن الكنيسة مديونة لهذا الأب لأجل تمييزه للأسفار القانونية من غيرها [ .
و أمّا ردّ الفعل المباشر للكنيسة الرومانية تجاه موقف لوثر ، فهو عقد مجمع ترنت trent
( جمعية الثالوث ) و ذلك فى سنة 1546 م ، حيث أعلنت فيه ( إن كل من لا يعترف بقانونية هذه الأسفار فليكن أناثيما { محروما ً } ) مستندين فى ذلك أيضا ً على مجمع فلورنسا الذى عقد سنة 1439م و الذى أيد هذه الأسفار و حرم كل من يرفضها ، ثم تمّ تعضيد قرارات هذا المجمع ( ترنت ) فى مجمع الفاتيكان الذى عقد سنة 1870 م .
أمّا فى مصر فقد كانت الكنيسة بمنأى عن هذه الصراعات ، و لم تدخل طرفا ً فيها ، نظرا ً لقناعتها بهذه الأسفار ضمن قائمة الكتب القانونية و ذلك فى قوانين الشيخ الصفى بن العسال ، و كذلك فى قوانين العلامة شمس الرياسة أبو البركات و المعروف بإبن كبر . 19
و أما فى القسطنطينية فقد عقد مجمع ، كملت أعماله فى ( ياش ) سنة 1642 م أيّد فيه قرارت المجامع السابقة على تاريخه ، و أقّر قانونية هذه الأسفار ، و كذلك الكنيسة اليونانية إتخذت نفس الموقف فى مجمع عقده البطريرك دوسيتاوس سنة 1672 م فى أورشليم ، و فى الهند قام العالم الكاهن ( الكانن سل ) بتشجيع الكنيسة هناك على الإهتمام بهذه الأسفار و دراستها .
و فى القرن العشرين ، و منذ أن نشر العالم . كارلس r.h.charles كتابه apocrypha & pseudapigrapha فى سنة 1913 م و تزايدت الرغبة فى دراسة هذه الأسفار لإعطائها نصيبها من الشريعة كبقية الأسفار ، كذلك فقد قوى هذه الرغبة ، ما ورد فى طبعة جود سبيد e.j.goodspeed للكتاب المقدس حيث جاء فيه ( أننا لا نستطيع أن نقبل الكتاب المقدس كمرجع للدراسات الثقافية و الفنية و الأدبية و التاريخية و الروحية ، بدون هذه الأسفار ) .
كما يجب ألا ننسى و نحن فى هذا الصدد ، أن نشير إلى الدور البارز الذى قام به المجلس القومى للكنائس national council of churchs ، إذ نشر مخطوطات قمران ، مما شجع مجلس الكنائس الأمريكية على تكوين لجنة من علماء الكتاب المقدس لإعداد ترجمة جديدة صدرت سنة 1957 م و تم ضمها إلى طبعة r.s.v ، كما توجد حاليا ً منظمة دولية و هى international organization for septuagint & cognote studies و ذلك لدراسة هذه الأسفار و نشر نتائجها أولا ً بأول .
و أخيرا ً فقد قامت دار الكتاب المقدس فى مصر ( و للمرة الأولى ) بعمل طبعة جديدة للكتاب المقدس بعهديه تتضمن هذه الأسفار ( مجتمعة فى نهاية العهد القديم ) مترجمة عن النص اليونانى .